ليس بالصبر وحده نواجه الأزمات/ بقلم الشاعرة المصرية فابيولا بدوي

مع زيادة الأسعار بشكل جنوني‏.‏ خصوصا بعد تحريك أسعار المحروقات‏,‏ للأسف لم نسمع صوتا يعاني من هذه الزيادة ويفند لنا أهمية الصبر وتفهم ما يحدث وأن القادم أفضل‏,‏ بل علي العكس امتلأت شبكات التواصل الاجتماعي بأصوات المرتاحين ماديا ومعيشيا‏,‏ يزايدون ويطالبون البسطاء بالتعاطي العقلاني مع معاناتهم التي لا يعرف كل من أدلي بدلوه عنها أي شيء‏.‏

فارق شاسع بين ما كنا نعيشه من قبل وما نتابعه اليوم, ففي الماضي كانت الطبقة المتوسطة والأكثر ثراء تقف النخب منهم في الصف نفسه مع الفقراء لا التنظير عليهم ولكن تضامنا معهم وشعورا بهم في محاولات جادة لإيجاد الحلول للأزمات حتي تمر. أما اليوم فكل منهم في قاربه يجدف بعيدا ويوزع الابتسامات والتحية علي القوارب الغارقة وكأن هذا هو أقصي ما يمكن أن يفعلونه لإنقاذهم من الغرق.
لا يجب أن نتعجب من أننا في مرحلة نشيع فيها مفهوم النخبة علي المستويين السياسي والفكري. فالبنية الديناميكية لهم جميعا لا أساس لها ولا ترتكز علي مقومات سليمة بإمكانها أن توجههم الوجهة الفعالة وقت الأزمة. حتي العبارات التي يستخدمونها لا تعدو كونها تغليفا للجراح الملوثة بأربطة أنيقة لا أكثر ولا أقل, وقد يكون لهم العذر في هذا, فغالبيتهم غرباء علي العمل العام ويتعاطون معه برفاهية علي اعتباره وجاهة أو وسيلة للتقرب من السلطة التي هي أحوج ما تكون للفكر والتصرف الإيجابي ليتكاتف الجميع عن اقتناع حتي تمر الأزمة.
ما هذا الزمان الذي لم نعد نجد أي شيء في موضعه الصحيح؟ هل يمكن أن نعيش وننتج ونتخلص من الإرهاب والأزمات الاقتصادية وننهض ويكون لنا مكان تحت الشمس يمكننا من التطور, ونحن نحيا هذه المساحات الهائلة من الالتباس؟
كيف يمكن أن نطالب البسطاء بالصبر والتفهم في ظل جهل لا حدود له يصيب وعيهم في مقتل؟ كل المفردات والآليات ضبابية تماما, حتي باتت نداءاتهم تحمل من السذاجة بقدر ما تحمله من وجع وآلام, وإلا ماذا يعني هذا الصراخ الدائم بضرورة تدخل الرئيس ليأتي بحق من دهسته سيارة أو انهار مسكنه أو فقد عمله إلي أخر المصائب التي تحولت إلي جزء لا يتجزأ من يوميات السواد الأعظم وكأننا في بلد بلا مسئولين أو أننا لا نثق بهم وبأدائهم, حتي ضاعت المطالب الجوهرية والحقيقية التي يجب التوجه بها إلي رئيس الدولة كالبطالة والغلاء والرعاية الصحية.
الأمر نفسه نجده في تساؤلات المواطنين حول جدوي الأحزاب, وأي منهم قد شيد مدرسة أو مستشفي؟ وهي مهام لم تكن يوما ضمن الواجب الحزبي أو تمثل أي إطار من أطره, بل هي من صميم واجبات السادة نواب الشعب المفترض ألا يكون لهم هما سوي التصدي للحكومة لضمان توفير القدر اللائق للمواطن من الصحة والتعليم والسلع الأساسية التي تحفظ له حياته وكرامته الإنسانية. لكن المواطن الذي يصرخ من القهر الحياتي لم يعد يفرق بين دور الرئيس والأحزاب ونواب الشعب, لذا من الطبيعي أن تضيع صرخاته وسط هذا الخلط الذي لا يقع فيه نظيره في الخارج الذي يشب وهو يعرف واجباته ومن هي الجهة القائمة علي حقوقه ليتوجه إليها ويمارس عليها ضغوطه المشروعة للحصول علي الحق أو معرفة أسباب الخلل ومتي سيتم إصلاحه.
نحن لم نعد نعرف الحدود الفاصلة بين أي وكل شيء, ولا يكلف أي مسئول أو من يدعون أنهم النخب الحديثة عناء التوضيح اللهم إلا النداء المكرر الممل بالصبر, وحتي هذا نجهل المقصود به, هل هو الصبر علي الأزمات حتي تنفرج, أم الصبر عليهم حكومة وبرلمان وسياسيين حتي نجد من الله فيهم مخرجا؟

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!