من الجعبة/ بقلم : إبراهيم يوسف – لبنان

 في التعقيب على أسطورة التكوين

والثقافة الصهيونية الملفقة

لمهند النابلسي – من الأردن

 من جعبتي فيشركة النقل الجوي التيعملت فيها عقودا طويلة، وكانت قد أوفدت فريقا من الموظفينوأنا من بينهم، في دورة دراسية للتدريب على معدات حديثة اشترتها من الشركةالصانعة. وكنا بطبيعة الحال نتبادل مختلف الشؤون الفنية ذات الصلة التي أتينا من أجلها، والأحاديث المتنوعة مع موظفي الشركة المضيفة.

 في الأيام الأولى على وجودنا في الشركة، المنتجة لصنابير(Robinets) الأوكسجين والهواء والمحروقات، ومنها ما يحمل اسم المقصلةLa guillotine)) التي أطاحت بعنق “ماري أنطوانيت”، زوجة لويس السادس عشر صاحب الشخصية الهزيلة. المرأة التيلم تتداعَ أو يرهبها منظر المقصلة  تتقدم نحوها بلا وجل. يقول صحافي إنكليزي شهد عملية تنفيذ الإعدام: لم أر طيلة حياتيأجمل من عنق ماري أنطوانيت تحت المقصلة.

  كنانجلس إلى طاولة الطعامفي “الكانتين”، حينماسألنا “جان كلود” مستخدَم في الشركة، وهو يرانا لأول مرة من أي البلاد نحن..؟ وحينما أجبناه أننا من لبنانلم يعرف أين يوجد هذا البلد على خريطة العالم..؟ إلا حينما أشار زميل له يشاركنا طاولة الطعام أن لبنان في الشرق الأوسط،ويقع على حدود دولة (إسرائيل).

 هكذا تعرف صاحبنا”جان  كلود” أين يكون لبنان، وهكذا تشعب الحديث بيننا بحذر حينما اعترض بعضنا أن المعنية فلسطين..! وليست إسرائيل إلاّ دولة احتلال معتدية، اغتصبت الأرض من أصحابها بالقوة والخديعة.

 ورد جان كلود: إن العرب شعب يفتقر إلى المعرفة، ويحتاج لمن يعلمه أساليب الزراعة الحديثة، وهو يملك ثروات من الأرض الواسعة التي لا يحسن التعاطي معها، فلم لا يتولىإدارتها الإسرائيليون ما داموا أصحاب خبرة يحسنون التعامل مع الأرض!؟بينما يجهل الفلسطينيون كيف تكون الزراعةالناجحة ووفرة المحاصيل!.

 وساق إلينا أمثلة عديدة عن الفاكهة ومنها الليمونوالفراولة المميزة التي يستوردها الفرنسيون من “إسرائيل”، والتي تَعَمّقَ الإسرائيليون في دراستها، وأحسنوا زراعتها وأحرزوا الجوائز عليها. ثم أنهى حديثه بالقول: متى غدا العرب بمستوى “اليهود”؟ سينتصرون عليهم بلاحرب ولا تعب. أو فليتصالحوا ويعيشوا معا.

 وتولى الرد عليه أرفعنا وظيفة وأقلُّنا زللا بلسان أهلالبلاد: ما رأيك لو اشتريتُ سيارة من مصانعكم،وكنتُلا أحسنُ قيادتها فهل جهلي للقيادة يمنحك الحقأن تسلبني سيارتي!؟أربك الرجل ورد: فليكن الحق للأقوى إذاً.

 هكذا كان الفرنسيون يواجهوننا دائما بمنطق الجهل، وحاجتنا للمعرفة نتعلمها على أيديهم أو أيدي “اليهود”.وكان منَّا من هم في “الجانب الانعزالي”..؟ أو من (كنَّا) نسميهم بالمارونية السياسية أصحاب الامتيازات ممن كانوايبيتون عداوتهم للعرب، ولا يجهرون برضاهم عن إسرئيل..! ومنهم من كان مغاليا في (تعصبِّه) فيدّعي أنه يتكلم”اللغة اللبنانية” دون التلميح حتىإلى ذكر اللغة العربية؛ لكأن اللغة اللبنانية هي لغة مستقلة بذاتها..!

 لكن مهندسا يساريا أخبرنا همسا، إبان وجودنا معه في غرفة الصف؟ كيف كانت “مرسيل داسّو” تعد طائراتها الحربية من نوع ميراج، فتعيد طلاءها وترسم عليهانجمة داود، ثم تزودها بالذخيرة وترسلها للمشاركة في العدوان الثلاثي على السويس أيام عبد الناصر، واقتصرت الحرب يومهاعلى فرنسا وبريطانيا.. وإسرائيل.

 أما أميركا بعد الحرب على ڤيتنام فلم يكن قد “لمع نجمها” بعد، وكان جمالعبد الناصر من الأحلام العربية المتوهجة، التيسطعت كثيراثم احترقتبعد أن دمرت إسرائيل معظمطائراته الحربية، تربض على أرض المطارات خلال حرب الأيام الستة،وما سمي بنكسة حزيران 67 تلطيفا لوقع المفردة على وجدان الجماهير.

 وتبقى الأمانة التاريخية المختصرة..؟ أن عبد الناصرحققمشروع السد العالي على الأقل،وكان يطمح أن يتحول إلى ثورة زراعية وصناعيةفي البلاد. لكن قادة جيشه خذلوه ولا ينبغي للتاريخ أن يعفيه من المسؤولية.

 وفي لبنان قامت حربنا الأهلية “نصرة لفلسطين”،وبعض عناوينها العدالة الاجتماعية وصحة التوزيع، وتقاسمت في المحصلة الطوائف الأخرىامتيازيات المارونية السياسية، وعدنا نعضّ أصابعنا ندما على ما تمخضت عنه المكاسب بفعل الحرب، حينما تعززت وتحولت الامتيازات من طائفة وحيدة إلى جملة طوائف.

 هكذا بدأتتضيع “طاسة” البلاد من جديد، ونحن نعيش اليوم أزمة اقتصادية أخلاقية بفعل فسادعززته شعبوية الطوائف. الأزمة التي تهدد هذا الكيان الهش الذي ترنَّح لأسبوعين، ولا زال يمعن في الانزلاق نحو السقوط في هاوية المجهول. هذه باختصارجملة أحوالنا اليوم، ويمكن أن تقيس بمكيالها أحوال سائر العرب.

 ولو كانت الأوطان تشرى بالمال..؟ لكن الأحرى بمعظم العرب أن يساوموا على شراء فلسطين واستعادتها بأموال لا تقدرأنفقوها على التسلح ليقاتل بعضهم بعضا..!في حين يتبرع الصهاينة بنجدة العرب المقصِّرين.

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!