نَحْوَ أطْلَسٍ لِسَانيّ مُوَحَّدٍ لِليَمَنِ والجَزِيْرةِ العَربيّةِ

كتب :مجيب الرحمن الوصابي
“لِنبِدرجْ” مُسْتَشْرِقٌ سُويديّ نصفُهُ: عالِمُ لسانيات والنصفُ الآخر: لِصُّ آثارٍ ومخطوطاتٍ(مُشْتَشلِص) الذي جَمَعَ ثَرْوَةً عَظِيْمْةً مِن أوابدِ اليمنِ الخالدةِ! … كان حادَّ الطِّباع مُشَاكِساً، وهذا وصفُ أقرانهِ لَهُ.
سَاهَمَ- فِيْ مطلعِ القرنِ المُنصرم- بمعيّة الأسطولِ البريطانيّ في سرقة الآثار، والمخطوطات والنقوش من اليمن، وتهريبها عبر عدنَ.. وكان يأمرُ عملاءه المغفَّلين والمغرَّرين بالمال –زيادة- بتسجيل الأغاني الشعبيّة والأمثال وشرحها ….
ثم يَزْعُمُ أنَّه اشترى كلّ شيء من حُرّ مالِهِ حتى الألفاظ المَحْكيّة واللهجات دفعَ فيها أثماناً ويقول عن العرب: “كلُّ لفظةٍ عندهم بثمن” ! … فَلِمَ كان يهتمُّ بلغاتِ اليمن ولهجاتها ؟!

مُنْذُ مرحلةٍ مُبكِّرةٍ في التاريخِ الوسيطِ حتى الحديث وعلماء اللسانيات المستشرقون يُظهرون اهتماماً متصاعداً بلغاتِ اليمن ولهجات أهلِها المحكيّة، والنَّهْبَ المنظَّمَ لكنوزها .. فلمّا أوشكوا على الخلاص من تأثير سَرديّات التوراة و سطوة أساطيرها؛ .. فاجأوا العالم- اليوم- بنظرية جديدة لهم خطيرة، تفصل بين لغاتِ اليمنِ فصلاً عرقيًا! وهذا الخطيرُ في الأمر والمُقْلِق.
فَعَلامَ يُقرِّرُ الأغرابُ مصيرنا من تراثنا، ويقرأونه كما يشتهون ويتأوَّلونه؟ وكيف نَثِقُ بهم؟ وإنْ أحسنّا الظن؛ فكيف لهم أنْ يفهموننا أكثر من فهمنا لأنفسنا؟!!… والمَثَل اليمني يقول:” مَاْ يَفْهَمْ رَطْنِيْ إلّا وِلْدْ بَطْنِيْ”!….. وهذه أمانة!

المَرْوِياتُ الإسلاميّة اللسانيّة تُوثِّقُ كثيرًا من الظواهر الصوتية وتردُّها إلى لهجاتٍ يمانيّة على الأغلب،… منها ما عُرِفَ بالقراءات السبع، والمطّلعُ على المعاجمِ والمصنَّفات اللسانية لا يفوته هذا.
يَقُولُ ابنُ جنّيّ: كان سُحيم وهومن الشعراء المخضرمين إذا أُنْشِدَ شعراً يقولُ: أحسنك يُريدُ بها أحسنت ؛ ويعلِّلُ ابنُ جنِّي هذا الإبدال فيقول: أبدل الكاف من التاء لأنها أختها في الهمس، وهذه الظاهرة الصوتية حيَّة ومسموعة إلى الساعة.
يَقُوْدُنا هذا الإبدالُ الصوتيّ إلى معرفةِ حدود القبائل الحميريّة كما فعل لسان اليمن الهمْداني محدداً المجال الجغرافي للحميريين وقصبتهم بدِقَّـة ” من جنوب ذمار حيث عاصمتهم القديمة ظفار إلى إٍبْ والضالع ويافع”، وفي أجزاء كتابه (الإكليل) المفقودة ثروة لسانية جغرافية لا تُقدَّرُ بثمن!

أمّا عن (طمطائية حمير) فنَجِدُ اجتهاداتٍ لسانية غير مفهومة ؛تحتاج مراجعة منا وتثبُّت، إذ يتابع ابنُ هشام الأنصاري ابن مالك والسيوطي الذيْن يذكران أنّ (أم ) التي هي بمثابة (أل التعريف) عند حمير وطيْء هي فقط في (أل القمرية ، لأنهم سمعوا من بعض تلامذة اليمن عندهم في العراق ” خذ الرمح واركب امفرس”!… ما مدى دِقَّة آراء هؤلاء اللسانيين الأفذاذ؟! … سيما أنّ هذه الظاهرة مازالت مسموعة في كل الساحل الغربي إلى مناطق الصَبَّيْحَة وأبْـيَن والبيضاء…. وهل هي كذلك في كلّ قبائل حمير؟

جاء في كتاب الله العزيز “يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقُولُواْ رَٰعِنَا وَقُولُواْ ٱنظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ ۗ وَلِلْكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ”
كَيْفَ تأوّل المفسرون هذا النهي من الله عن قول (راعنا)؟ … لأننا في بعض مناطق اليمن نستخدم هذا اللفظ (راع لي ) أي انتظرنا، فما المعاني التي كان يضمّنها اليهود لتكون عندهم سَبًّا وذمَّاً لرسول الله كما زعم المفسِّرون، وما علاقة يهود يثرب باليمن ؟

كُلُّ تلك الأسئلة غَيْضٌ من فيضِ، إشكاليات متعلِّقة بالأطلس اللساني الموحَّد لليمن وكل الجزيرة العربية …وقد آن الأوان للتفكير به بكل جِدِّية.
فَمَا مَفْهومُ الأطلسِ اللسانيّ ؛اليمنيّ ؛العربيّ؟ وما أهميته وعلاقته بالتنمية المستدامة؟ … و بالأمن الوطني والقومي؟ وما أبرز التجارب العالمية و العربية التي يمكن الاسترشاد بها؟ وما الرابط بين نقوش المُسْنَد والزَّبُور ولغات اليمن و لهجاتها؟

“مَنْ يُمْسِكُ بالقلمِ هو وحْدَهُ مَنْ لَهُ الحقُّ فِيْ صُنْعِ التاريخِ والحَضَارةِ”

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!