يضربنا الإرهاب ثم نعيش حالة أمان وهمية/ بقلم الشاعرة المصرية فابيولا بدوي

 

من دون الدخول في أي تفاصيل معلومة للجميع حول حادث الشانزليزيه الذي أودي في الأسبوع الماضي بحياة شرطين وإصابة اثنين بإصابات بالغة‏,‏ إلا أن هذا الحادث إلي جانب غيره سواء في مصر أو أوروبا يفضون بنا إلي الحديث وطرح الأسئلة‏,‏ لأن ما يعانيه الآمنون يستحق من الجميع المزيد من الاهتمام العقلاني أبعد من الاكتفاء بعبارات الاستنكار والشجب والتعاطف‏.‏

قد بتنا نريد تفسيرا واضحا لما يردده المحللون والبرلمانيون لدينا بعد كل حادث من أن الإرهاب لا بلد ولا دين له, نعلم أن هذه العبارة قالها الرئيس, ولكن من يرددها ماذا يعني بها أم هو مجرد إعادة لعبارة التقطها مثل غيرها. رئيس الدولة حينما قالها كان ينادي في نفس اللحظة بضرورة تجديد الفكر الديني وتنقية التراث وإحداث ثورة فكرية. وكل هذا لم يحدث ولن يحدث فيما يبدو علي الأقل في المستقبل القريب. فكيف يردد كل من يظهر في الإعلام نفس العبارات, وبأي السبل سوف يقنع الآخر أن الإرهاب لا دين له وكل الفاعلين والجماعات الإرهابية تسمي وتكبر قبل القتل وسفك الدماء؟ حينما ننزع العبارات من سياقها السليم فلا معني لها ولا طائل منها.
في فرنسا بعد كل حادث إرهابي نعيش نفس المتوالية( الدهشة ثم الغضب, العبارات التي تؤكد الوحدة الوطنية وضرورة ضبط النفس, تعزية عائلات الضحايا, الإعلان عن الإجراءات الأمنية الجديدة) ثم تمر الأيام وينسي الجميع ما حدث ثم نتذكر فقط أمام حادث جديد. نفس الأمر في كافة البلدان من دون استثناء, فعلي الرغم من أن الحرب علي الإرهاب لا تصل أبدا حتي تنتهي إلي الحالة الصفرية من الأمان, لكننا نعيش هذه الحالة الآمنة المتناسية, بينما المطلوب هو يقظة مجتمعية مستنهضة دائما, وهذا مسئولية مستمرة للإعلام والمفكرين والمثقفين ومؤسسات المجتمع المدني وغيرهم في كل بلد بحسب مشكلاته وما يحتاج إليه لمحاربة الإرهاب. في فرنسا لم يفتح نقاش مجتمعي حقيقي للأسباب التي تدفع الشباب للارتماء في أحضان هذه التنظيمات الدموية, وفي مصر لم يحدث أي نقاش بناء حول الردة المجتمعية التي نحياها منذ عقود وتتفاقم لحد الظاهرة, كما لم يحدث أي تجديد يذكر لا في المناهج ولا خطاب المساجد ولا حتي في التناول الإعلامي, وكأننا نؤكد عدم وجود أي التزامات علينا مادام الإرهاب بلا وطن ولا دين, متناسين أن كل الأفكار والأساليب المتبعة في كل الجماعات المتشددة التي تتمسح في الدين الإسلامي خرجت من عباءة واحدة هي الإخوان. لم يعد الإرهاب يقتصر علي الجريمة وبشاعتها, بل امتد أثره ليمس المجتمعات وقيمها ومبادئها في الدول الكبري التي نتعامل معها ونحرص علي علاقات وتحالفات جيدة تربط بيننا وبينها. فملف الإرهاب والهجرة التي تحملت كل أوزار البطالة في أي بلد غربي والصرامة في التعامل مع الملف الأمني أتوا بترامب إلي البيت الأبيض, ولا يجوز أن نفرح كثيرا بأنه يعلن ويكرر أنه سيقضي علي داعش, فهناك في المقابل الكثير من السبل التي تتقاطع بيننا وبينه. الشيء نفسه يهدد أوروبا والمسألة لا تقتصر علي انتخابات ونتائجها, فصوت الشعبوية والتطرف قد تعالي مستغلا الحوادث الإرهابية كي يسيطر ويؤكد أفكاره, فما هذا العالم الجديد المحاصر بالانغلاق الذي سيفرض علينا معايشته؟
لو لم تتحرك جميع البلدان المهددة بالإرهاب تحركات وقائية وتنويرية وتتخذ وسائل أكثر شجاعة لمواجهة أسباب التشدد, إلي جانب الأمن الذي يقوم فعليا بواجباته, فكل ما سيحدث هو الاستمرار في ملاحقة الإرهابيين والجناة, مع الابقاء علي الأرض الخصبة التي سينبت عليها العشرات منهم

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!