أصوات تخرج من جمجمة/بقلم :زهران القاسمي( مسقط)

سعيد بهذا الصوت
يتقافز كثعلب على وجهك
ويترك آثاره على الرمل
الرمل وهو يتناثر من جبينك
حكاية إثر حكاية
حتى تبلغ الحد
سعيد بنبرته اللاذعة
وبأثره في السكون
هكذا هكذا
حتى التمني في الولع

***

أنصت إلى طنين في أذني
العدم وهو يسحب إليه
غيوم الموتى

***

سأدخل في الصمت
في بحر الأصوات الأدنى
حيث الجمرة تصافح قطعة الثلج
والرحيق يتماهى مع الرماد

***

صوت خافت يناديني
صوت يخرج من قبر منبوش
تعال
خذني إلى حضن أمي ثانية
لقد كذبت عليها
أخبرتها بأمر الزهرة التي قالت
بأنها ستنبت على التل
لم أر زهرة في حياتي
ولقد قامت من رقدتها راكضة
لتصعد التل
وتنام هناك
تعال
خذني إليها
اجعل عظامي حول قبرها على شكل زهرة
لعلها عندما تفيق
تستطيع الفرح والغناء

***

افتح الباب على مصراعيه
افتح النوافذ
الصناديق المقفلة
علب الهدايا التي لم تصل يوما
لأصحابها
الطريق الدائري
حياتك المتزمتة
أسرارك التي احتفظت بها بعيدا عن الهواء
أحلامك البردانة في كهف الأيام
أفتح الليل
والأقفاص على العصافير المسجونة
افتح السجون
الخوف والضياع والموت
افتح كل شيء
واصغ إلى صوتك الداخلي
صوتك الذي أغلقت عليه منذ ملايين السنين
بحروبك وتعاليم كهنتك
افتح الكون له
وانتظره في البهجة والشروق

***

ايتها النخلة العوانة
التي يتراقص شعرها في الزرقة
هل ما زلت تسقطين ثمارك بعيدا
بينما بيدارك المصلوب على جذعك
يموت جائعا
ثمة بكائية تصدح في عينيه

***

في معدتي يبكي حيوان منقرض
وعند قلبي ترفرف فراشة سامة
كلما هدأ قليلا وخزته
وتحت أظافري تنمو أغنيات القصب
لكن من لهذا الرأس المكتض
بقبيلة من المجانين
وهم يصرخون في الهاوية
كل حين
اصعدي اصعدي

***

صوت أطفال بداخلي
إنهم يلعبون الغميضة
وكلما لعبت لعبتهم واختبأت
غبت طويلا
كانوا يبحثون عني ثم يشطبونني من اللعبة
صوت أطفال ينحدرون على ذراعي
متزحلقين
وهم يغنون لي في غيابي
مرة سمعت أحدهم يقول
ماذا لو

***

مرة صفع وجهي صوت قديم
ثم انهمر على الأرض
فتسابق عليه الناس
ململمين ما استطاعوا منه
اعتقادا بأنه غفرانا من الله
لم يكترث أحد بوجهي
حين استوطنته العتمة
حفرت عميقا في الأثر
حتى أصبح كهفا غائرا
يتردد فيه صوت ملاك قديم

***

ولأن عشقها
نبت في قلبه
شجرة كثيفة الظل
وسط الصحراء
كانت تفح في صمته
أفاع أدركت فرائسها

***

صوتي المعذب
المشروخ وكأنه يخرج من فلق
في جذع شجرة متهالك
صوتي الرميم المتناثر على سفوح الجبال
صوتي الناقم على نبرته المبحوحة
المتكسر في مسامع الموتى
يحب من الألوان الداكنة
ربما ليختبيء بينها
يخجل من طول موجته ورخاوتها
صوتي لم تعانقه نغمة
ولم تتغلغل مساماته النسمات
صوتي الحافي القدمين المغبر المتساقط الأسنان
المتغضن كوجه عجوز معمرة
صوتي الذي أحب

***

عدني بأن تعيد الصوت إلي
لا تترك صدري بدونه طويلا
حتى لا يتكاثر الخراب فيه

***

في داخلي أضغاث أصوات
تهمس لي
” كل شيء قد حدث وانتهى ”

***

في صوتك المبحوح
تشرئب سنبلة قمح كريمة
تملأ العالم مروجا وخبزا.

***

ماذا سيحدث لو أنني لم أحببك ؟
سيحبو الطفل ناحية البئر
مصغيا إلى صوت أمه في الأعماق
ثم يلحق بها

***

كلما زادت حدة صوته
خلعوا ظفرا من أظافره
حتى صار يحلم بظفر واحد
ليهرش ظهر صوته
في كل حكة .

***

الطفل الخائف
الموجوع
الجائع
البردان
العطش
الضائع
العاري
صوتي كلما اشتاق لحروف اسمك

***

يا الله
هذا صوتي مهمل لا يلتفت إليه أحد
ليس له رائحة تميزه ولا لون
صوتي يشبه الأبد الذي يمتد
ولا يشعر به العالم
يا الله
صوتي لا بحة فيه ولا دمعة ترافق دربه
ظل يمشي منكسا رأسه
ومحنيا نبرته
يرى تحت قدميه الكون
حالما برقصة على خلاخيل الفرح

***

أنا غائب عن وجهي
الذي بقي متسمرا أمام المرآة
غائب عن الزمن الذي يتكتك على الجدار
غائب عن الدرب تحت قدمي
يمتد حتى حدود الغيب
غائب عن صوتي وقد تركته يتقافز
على ضفتي الينبوع
غائب عن العتمة في صندوق الأسرار
ها أنا وقد تركت بحرا من الغياب
يأتي بي إلى صوتك الحنون.

***

يا للريح المسكينة
وهي تتهاوى
مثقلة بأصوات جرحى
سفحوا مناحات عشقهم
يالها من بائسة تلك الريح
ألا تسمع عواءها على السفوح

***

أحدق في الصوت الخجل المختبيء
خلف تلك الطاولة
أحدق في عريه الخالص
وفي جماله الأعزل

***

كلما وقف أمام المرآة
شاهد طفلا مشلولا يصرخ في وجه
فيركض خائفا

***

أسمع صوتك الهادر
أسمعك وانت تجلس في المكان الذي اعتدته
منزويا عن العالم والضجيج
أسمع هسيس روحك الممزقة
وأنت تحاكم العمر
لقد انتهى كل شيء
خرجت مهزوما من حروبك
وبينما يرمقك المارة بحسد على هدوئك
ترجع المعارك فيك مرة بعد مرة
فيوجعني صوتك الضاج

***

إلى أين ستهرب من الصوت الذي سيلاحقك
حين تقرر الفرار إلى الغابة
سيتحول إلى ذئب
سيطاردك عواؤه
سيطوقك
اهرب اينما شئت
ستراه مشتعلا
الصوت الذي يشرئب الآن من قمة الرأس
لا تطيقه البقاع
ولا تقصيه المسافات

***

من شدة المطر الذي هطل ليلة البارحة
ذابت آخر موجة صوتية في دمي
كان لمع البرق في ضحكتك
يمحو أثري في الذوبان

***

كلما تعثر صوت في الخارج
أجده يركض في داخلي
وجلا من بتر قدميه
مرة كان صوت طفل
سمعت صرخته حين سقط
مضرجا على الطريق
ثم بدأ يلهث هنا مرتجفا
كانت الرعشة تصل إلى أصابعي
فتنقر الأرض
ومع كل نقرة
يقفز جزء منه
إلى الطريق ثانية

***

كيف للصوت أن يبني ناطحة سحب
أن يجعل القمة العالية تبدو ميسم زهرة
أو أن يطوي المسافة كرغيف
هذا الصوت الخارج من أعماقك
الذي تسمعه وكأن رفيقا للسفر يجلس بجانبك
الصوت الأحمر اللون
وهو يعيد ألوانك إليك
الصوت الرهيف بطعمه الذي يشبه ثمرة
لا تعلم أين تذوقتها
ذلك هو صوتك المنسي
في حقيبة سفر منسية

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!