الحب والحرب /بقلم سليم المسجد / اليمن

أشعرُ بأن قدميَّ لايقويان على الوقوف؛ من كثرة المشي إلى صالات العزاء وفي مواكب التشييع ومحطات الانتظار. وكثيراً ماأشعرُ بالنفور من قراءة الصحف والمجلات التي تفوح برائحة المجازر وتكثرُ من استخدام تعبير الجبهة في الحروب، إلّا أن قلمي يتعثر ويغضب ويترنح ويفشل أحياناً عن التعبير في مواجهة جبهة أنثى وعند مقارعه الحروب، رغم أن النص الأدبي أتاح لــ انتصار السّري كتابة مجموعتها القصصية (لحربٍ واحدة) ، وثمة رواية من أعمال الكاتب الروسي الشهير ليو تولستوي ( الحرب والسلام)… إلخ. ولكي أبتعد بكم عن أعمال الحروب وماحدث فيها من كوارث، هجرتُ متابعة يومياته ورفضت اقترافها، لأظل بعيداً عن جمهور المصفقين وشاشة التلفاز الملّونة بالدماء والنيران وتصاعد الأدخنة على تفحمات الجثث والأشلاء والبيوت، وقررتُ النزوح إلى غرفتي الصغيرة، ليس هروباً من الواقع الدموي والجنائزي..أو انزعاجاً من أنين جارتنا الأرملة، و الذي يجب علينا مشاطرتها احزانها مع اولادها العشرة ومواساتهم، وهي تتأوه بين الفينة والأخرى: واحرباه، وبنبرة ساخطة تلعن تلك الحرب الغشوم الذي سلبتها زوجها الأعزل العائد ذات مساءً من سوق الخضروات، بل أن ذلك الهروب وبعد أن أغلقتُ الباب و النوافذ المشرًّعة في الضجيج وحشوت في كل أذن قطعة من القطن؛ حتى أتمكن من الحصول على نسبة صغيرة من استكانة ولو اصطناعية لبرهة قصيرة من الزمن، تساعدني على التفكير قليلاً في ابتكار طريقةأقوم من خلالها بطمس كلمة “حرب” من قواميس اللغة مبدئياً، تزامناً مع اختفاء الحَرْبة من سوق القتال العصري وانتشار سيناريو الحرب الباردة والذكية و الذرية..، ليستيقظ طفل الغد على قاموس تخلو صفحاته من: الحروب والحرْبة والحِرابة والحرْباء أيضاً لئلا تخيفه عندما يتسلق شجرة، وقبل أن تغتال غرفتي المهترأة قذيفة غاشمة فلا أستطيع فعل ذلك، ولكن سرعان ماثار “الحب” في وجهي-متعصباً- قبل بدأ التشريح، لكونهما- الحب والحرب-ينبثقان من أصل واحد شكلاً ومخرجاً وصوتاً ودلالة-لاتلتفت إلى الراء المائعة في الحرب- مع احتمال أن طمس الهوية اللغوية لأحدهما يؤدي إلى انقراض الاثنان معاً -وتبقى السيادة لـ War- فيختل كيان اللسان العربي المختل ونظام الحياة المتوترة والشعر والتاريخ أيضاً.
إذن.. أصبح الحب عندي متهمٌ بدافعية التواطؤ والعمالة -لاتتوجس- بإعتباره المولِّد المركزي لمعظم الحروب السافرة والباردة أيضاً، وارتفاع ضغط الدم وآلام القولون، وديدن كل المحبين في المنفى، وكذلك الجوع تحت تأثير حروب الكراسي، وحتى على مستوى حرب الوحوش في الغابة والحيوانات في الحظيرة .
إلّا أنني لم اريد من وراء تلك المحاولة مهاجمة قصة حب عنترة بن شداد العبسي وهو يخوض حروب وبطولات مستحيلة من أجل أن يتزوج من-حبيبته-“عبلة”، أو هدم أبلغ بيت أشادت به العرب في تشبيه الحرب:
وكأن مثار النقع فوق رؤوسنا
وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبه
وحتى لم تراودني نفسي بإقصاء المثل السائر “أشأم من داحس”، أوالطعن والتشكيك في تاريخ حافل بالبطولات والتضحيات والفروسية والانتصار في تحطيم الطواغيت-هذا قديماً- في عصر الرسالة، دعنا من المتحاربين الجدد تحت رايات تبرق بالحب الزائف من أجل الوطن والأرهاب. ولم أتعمد في يومٍ ما ردم بحر من التاريخ الإنساني والعودة بالبشرية إلى منطق الصراعات القبلية الغابرة، ومن خلال حب إثارة حروب الصدع المفتعلة.. وكما صنع هنتنجتون في كتابه “صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي” إلّا أنه جاء فيه بحقيقه أتمنى لوأنها لم تأت مبتورة وناقصة لكان جاداً، ولاأعتب عليه لأن حب التعصب لابناء جنسه أجبره على فعل ذلك قي قوله :”وَلَعَ المسلمين-وأضيف وغير المسلمين- بالقتال والعنف من حقائق القرن العشرين، والذي لايستطيع المسلمون وغير المسلمين نفيه”.
انتبه..! (الولَع :بفتح اللام، الشديد التَّعلق بالشئ..) ونحن الآن في القرن الواحد والعشرين وذلك الوَلَع في ازدياد، وحقيقة محاولتي باءت بالفشل بسبب حاجتي الشديدة إلى وطنٍ لايعرف ذبح الحمام، إلى وطنٍ كل أنامله تجيد العزف على الآلات الموسيقية، كي أعود لكتابة ماأريده مرة أخرى.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!