الجبال. خاطرة. بقلم. نجيب كيَّالي

لآفاق حرة

 

الجبال
خاطرة
بقلم. نجيب كيَّالي.

 

غريبةٌ هي الجبال
رغمَ صمتها لديها كلامٌ كثيرٌ.. كثير
ورغمَ هدوئها يختبئ داخلَ صخورها الداكنة صخبُ الكونِ المثير
كلُّ حكاياتِ الأزل منقوشةٌ على دفاترها
وكلُّ حكاياتِ الأبد ستُنقَش هناك.
*
حنونةٌ هي الجبال
فبالرغم من صلابتها تعانق الغيم
وتمدُّ أصابعَها تكركر خاصرةَ السماء
تمسك مسبحةً من عشب، وتروي للفضاء.. للطيور.. للسحاب العابر حكاياتِ الأرض
ترفع ذراعين من ضراعة
ترجو الخالقَ من أجل المطر
من أجل بذور المحبة
من أجل قبَّعةٍ للسلام تغطي رأس العالَم.
*
شُجاعةٌ هي الجبال
فحين تهربُ الأرجل الجبانة تبقى في مكانها
وحين يزمجر الويل تعبس، لكنها لا ترتعد
وحين تصفرُّ الوجوه، وتسقط العيونُ من محاجرها
والقلوبُ من أضلاعها
تنظر بثبات
وقاماتُها لا تنحني للريح.
*
حكيمةٌ هي الجبال
وتحبُّ الحكماءَ، وعشاقَ النور
تحبُّ أبا العلاء المعري
زهيرَ بنَ أبي سلمى
دانتي
شيشرون
سارتر
محمود درويش
رياض صالح الحسين
نجيب محفوظ
تُغنّي لهؤلاء كما تُغنّي الأم لأبنائها
تعتزُّ بهم كما تعتزُّ غيمةٌ بخيوط المطر التي صنعتها
ومن أجلهم، وأجلنا تبقى ساهرةً لا تنام.
*
صابرةٌ هي الجبال
تبتلع وخزاتِ الوجع، ولا تصرخ!
فالريح تضرب هاماتِها وأطرافَها!
المطر يعربد بجنونه فوق أكتافها السامقة!
الأفاعي تحفر مخابئها في صدرها!
وكذلك الضباع والذئاب!
آذانُها يجتاحها العواءُ، ونعيقُ الغربان، ويجرب الزمهرير جبروتَه فيها، ويحاول الثلج أن يبتلعها ببياضه، لكنها تظل شامخة كأبي الطيّب المتنبي تحتمل، وتحتمل، وتنتظر طلوعَ الشمس في يوم جديد.
*

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

تعليق واحد

  1. د.تيسير السعيدين

    هي الجبال ، تباري الكون علوا ، وتحاكي الجبروت حلالا ..

اترك رداً على د.تيسير السعيدين إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!