الشّمسُ التِي عبدت/بقلم:مجيب الرحمن الوصابي( اليمن )

الشّمسُ التِي عبدت عَينهَا في الجَنُوبِ

قلتُ: ” يا عينَ الشمس شلّي سنّ الحِمار… ” وأنا جاهل! ﴿…هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ﴾ قال أبوهم إبراهيم ﴿.. لَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً ﴾ متفكرا في ملكوتِ السمواتِ والأرضِ، باحثا عن الحقّ ليَتَعَبّدَه!

لذا لا أتحرّجُ أن أجداديَ عبدوا الشمسَ في جنوب الجزيرة، وظلوا عاكفين لها صباحا ومساء ﴿ … يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾
لأنّهم ظنوها إيّاه، وهي في السماء بمثابة القلب من الجسد؛ كما في عُرف مُنَجِّمِي (بيت الفقيه)، فلا تعايروني بهم أرجوكم، ولا بالهُدهُد الذي دلّ علينا! لأنّا بعدُ كنّا على اليهودية السمحاء؛ ويا لعذابِ الهُدهدِ! وشقاءِ الهِدهَادِ!

النقوشُ المسنديةُ فيها (𐩦𐩣𐩪) إلهة السماء المعبودة في الأساطير العربية؛ فكانت ربّة مملكةِ حميرَ الراعية والحامية، والمكافئ العربي الجنوبي للآلهة( نهى) إلهة الشمس العربية الشمالية، كما أن الهنود يعدون الشمس مصدر الطاقة والخَلْق، والإغريقُ ظنوها ربّة الخصب.

استقبلتُ إلهة الأجداد ظُهرًا أحمرَ؛ وألقيتُ بالسنّ في عين ربّة الجنوبيين الأولى، ثم تدحرجت إلى السقف عن سِنَّتي أبحث ( شكٌ مبكرٌ)! وعقلي التجريبي، مُتَيَقِّنٌ أنني أجدها،… كان السطحُ ممتلئا بالمتناقضات…
لم يلقَ سِنَّته، لم ييأس … في السقف بعض العظام النخِرة للطيور والجنّ إلّا سنّته!! أين هي؟!.
ولم يعثر على الرصاص الراجع كما يلقى اليوم على كل سطح!
… أكلتني الشمسُ كما أكلت سِنّتي!

عند شعب الأزيتيك في أمريكا- قبل فتحها من الإسبان- يقدّم كهنتُها
50 ألف قلبٍ بشري في السنة لـتأكلهم الشمسُ، كقرابينَ لتجديد قوتهم وحيويتهم وحياتهم، أمّا قرابين الشمس عند عرب الجنوب فمن الحبوب ومن العسل واللبن والخمر، شمسنا لا تشتهي الدماء مطلقا ولو من البهائم؛ إنما تأكل فقط أسنان الأطفال!

أظنّ هذا من الشرك الأكبر المخرج من الملّة؛ لكنّي لم أتجاوز السادسة والنصف و( جاهل) عندما لقَّنتني بنت الجيران هذه التعويذة التلفظية : ” يا عين الشمس خذي الحمار واعطِنا سِنّ الغزال “.

ليس من الغريب أنّ هذا التصرف يفعله كثيرٌ من البشر ومُشاهد في معظم أقطار الأرض، في بلدان الجزيرة العربية وفي الشام وفي مصر، في أفريقيا وفي أوروبا، وفي بلاد أخرى مثل الصين وغيرها.

يذكر ابن أبي الحديد (ت 656هـ) أن العادة معروفة في زمانه في القرن السابع الهجري، ويقول عنها في (شرح نهج البلاغة) ما نصه: “ومن تخيُّلات العرب وخرافاتها، أن الغلام منهم كان إذا سقطت له سِنٌّ أخذها بين السبابة والإبهام واستقبل الشمس إذا طلعت وقذف بها، وقال: يا شمس أبدليني بسنٍّ أحسن منها، وليجر في ظلمها آياتك، أو تقول: “إياؤك”، وزعموا من يفعل ذلك أمن على أسنانه العُوج، والفَلج، والثَّعل وإلى هذا الخيال أشار طرفة بن العبد بقوله:
شادنٌ يجلو إذا ما ابتسمتْ
عن أقاحٍ كأقاحِ الرمل غُرِّ
بدلته الشمس من منبته
بَرداً أبيضَ مصقولَ الأشر

ويذهب- اليوم- كثيرون إلى أن هذه العادة موروثة من ديانة عبادة الشمس المعروفة قبل الإسلام، وممن جزم بذلك الشيخ مبارك الميلي في كتابه “تاريخ الجزائر” إذ يقول: “وقد وقع شعبنا فيما يقرب من هذه الوثنية، فمن آثار عبادتهم للشمس أن الولد حينما يثغر وتسقط سِنُّه يرمي بها إلى الشمس، ويقول لها في بعض الجهات الشمالية أعطيتك فضة وأعطيني ذهب، وفي بعض الجهات الجنوبية: أعطيتك سِنّ الحمار أعطني سِنّ الغزال

هذا التشابهُ له دلالاتُه عندَ الأنثروبولوجيا وتفسيراته، فهو إما كان نتيجة الاتصال بين الشعوب، وانتشار العناصر الثقافية من مجتمع الى آخر، أو أنها وليدة طريقة تفكير ومعاناة تجاه ما كان يحيط بالناس في عصور موغلة في القِدم وما كانوا يواجهون من تحدّيات، ونتيجة درجة وعيهم في تفسير الكون والوجود.

أخيرا؛ نظرت للشمس بامتنان وتملُّق وقليل من الحقد مع الشك الذي تحول بعدها إلى مرض مزمن.
وما هي إلّا أسابيع حتى تنبت سِنٌّ تشبه نبتة عاجية رقيقة مروسة او أشبه ما تكون بحبة لؤلؤ شفافة، سررتُ بها وأشبعتها تأمُّلا وفرجة أمام المِرآة.
ملحق: يرى البيولوجيون أسنان الأطفال الَّلبنية هي ثروة يجب الحفاظ عليها من الضياع لأنها خلايا جذعية نقية يمكن أن تفيد الأطفال عندما يكبرون، وتفيد الإخوة أيضاً لأنها ستكون مخزناً للخلايا الجذعية التي ستنقذ حياة الإنسان.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!