الفكرة الحداثيّة بين الوضوح والرمزيّة (9)/بقلم :محمد فتي المقداد

تختلف مهارات الكُتّاب في طريقة إدارة الفكرة الوليدة المُتحفزّة للاستقرار على صفحة بيضاء، ولكلّ كاتبٍ أن يشتغل على فكرته بالطريقة التي يراها مُناسبة في أبهى حُلّةٍ بيانيّة، بعد أن تُصبح نصًّا مُكتمل الأدوات جميعها.

والحداثة كما أفهمها، أن اللّغة وأدواتها ما تزال هي هي منذ امرئ القيس والمُتنبّي وأبي العلاء المعري، مع تباعُد الزّمان وامتداد الحياة النّابضة في لغتنا، فهل الحداثة، هو الإتيان بشيء خارج هذه الإطار اللغويّ العروبيّ. قطعًا: لا.

إنّما الحداثة دليل دامغ على حيويّة المُحتوى اللغويّ العربيّ على مُواكبة التطوّرات العالميّة، كثورة الاتّصالات والعولمة، والتطوّر الهائل بالوسائل الصناعيّة، وسلوكيّات الاستهلاك المُترافقة مع الانحسار الكسير، للتأثير العربيّ الحضاريّ الخابي منذ سقوط الأندلس 1492- إلى سقوط بغداد الثاني 2003، و الانحدار المُتسارع في منزلق الحروب الأهليّة والطائفيّة، والتردّيات الاجتماعيّة، والاقتصادية، والسياسيّة، وما تبدو صورتُه واضحةَ للعَيَان، ولا يختلف عاقلان عليها.

بالعودة إلى الفكرة المتأجّجة بنبض بالحياة، الواضحة بمسعاها الرّشيق النّشط المؤثّر بسلبه للعُقول، رغم المخاطِر المُحيقة بالكاتب من وضوحه، وأحيانًا من يلجأ بتسمية الأشياء بمُسميّاتها. على الضفّة المقابلة هناك كُتّاب الرّمزيّة، والعناية بالإشارة لشيء يدلُّ على شيءٍ آخر، وذلك لأسباب القهر الدكتاتوريّ، وانعدام الحُريّات في ساحات الشّرق عُمومًا.

وهُناك ربطٌ غير مُبرّرٍ بين الحداثة والرمزيّة، وظهرت أيضًا مذاهب (ما بعد الحداثة) و(ما بعد حداثة الحداثة)، ولها تنظيراتها الخاصّة بها، ربّما لا تعنيني كثيرًا، نظير فهمي لطبيعة ما يُكتب. وأرى طائفة من الكُتّاب يميلون لكتابة طلسميّة، لا يُمكن لزعيم العفاريت الزُرق أن يحلّ شيئًا منها، فما هو الرّابط بين الحداثة والغرابة غير المفهومة في الأدب خاصّة، على اعتبار أنّني من هُواة الأدب عمومًا.

فما فائدة أيّ نصٍّ أدبيِّ إذا لم يُلقي بمفاتيحه للقارئ الذوّاق؛ ليتلذّذ، ويترنّم طرَبًا على مسارات لما بين يديْه؟.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!