ايام الهذيان والغياب/ بقلم:ياسر زمراوي( السودان)

تلك كانت مبتدأ النهايات يا صديقي، كانت ايام الهذيانات والجزع، اذكر وتذكر تماما انتباهاتنا للتلصصات، لزوار الليالي و للمندسين في الحوارات ماسخيها بالتدخلات الجارحة، كنا ومازلنا نقول ان بذلك ليس تدار البلاد، بذلك لن يطيب ويطول لهم حكم، فقط كنا نحس بأننا الضحايا، نحن من صحونا على الفجيعة وتربينا على الموات.
اقول ذلك ياصديقي وفي بالي وبالك دوما قصتنا في معسكر الهوان والمسغبة، ما سمي بالدفاع الشعبي، برنامجا أنتجته السلطة الطفيلية رغبت فيه مؤيديه وهم كثر يا صديقي في التدريب العسكري، اقول كثر وليسوا بعدد الشعب المكتوي كنار الهشيم، اخترعوا لأنفسهم بعد حين من وجودهم القاتل هذا البرنامج ليكون تدريبا للطلاب وهم مقبلين على الدخول للجامعات، كان التقديم للجامعة منها، كنا نعلم نحن طلاب الجبهة الديمقراطية في الثانويات انه سيحيق بنا الكثير من التمييز بهتانا وفرزا في التدريب العسكري وتخويفا وغوغائية، انت لم تكن موعودا معنا يا صديقي، كنت صديقا اريبا لنا، تبادلنا المعلومات، تسر لنا بالدلائل، تنشر لنا المنشورات بين من تثق بهم بشدة تحتفظ بها لكي لا ينكشف أمرك، وسعيك الدائم لعدم انكشاف أمرك هو من ما جعلني احادثك اليوم يا صديقي، انت قبل المعسكر وبعد المعسكر كنت حريصا في التفلت من حيال الحوارات والحصار المفروض علينا، لكن ما احادثك عنه الان هو الأثر الباقي من تلك التجربة، الحدث الماهل الماكن في تلك الأيام وهو رحيل صديقنا المشترك، صديق شلتنا الطيب ابن الطيبين، لم يكن مسكينا كما أسماه محمد صديقنا إذ أنني لا اقتنع بكثير من تصنيفات محمد وقراءته للأمور، كان فقط يتحرى الإنصاف، يخرج من حواراته في حينه ولا يزيد، عندما يهزم في الكوتشينة يجلس في كرسيه الطرفي ساكتا، الا من حوارات مقتضبة، لحين دوره القادم في اللعب في الكوتشينة، وكذلك في الكرة الطائرة التي كنا بلعبها نعاكس عادة وسياسة البلاد في لعب كرة القدم، يوسف حامد يا صديقي هو من حبب لنا كرة الطائرة، كان يجمع أعمدة القنا ويحفر لها في الأرض، كان يحضر الشباك والكرة، وكنا نهتبل الفرص ونتشاكش بل نتشاجر في دورنا في اللعب، كان يوسف وحده من يصمت في حينه، من يلعب جيدا وقليلا ما يهزم، وعندما يهزم يجلس في مصطبة منزل خالد و طارق أصدقائنا صامتا، كان يحيرني صمته انا الثرثار، الكثير الحكم وضرب الأمثال وتحديد الأشياء كعادتي وأهلي النوبيين، هو في صمته مقدرة، لم يهزم باساءة ولم يلاحق بشتيمة، ولم يزحزح من نصيب في المتعة وفي الجد، فرض علينا الاحترام.
لكن الدفاع الشعبي هو ما أخذه منا، منذ قبل المعسكر ونحن خططنا لأن نكون في خيمة أو كرنك واحد كما يسمى، علمنا من سابقينا بأن الناس يوزعون حسب جلوسهم في ساحة المعسكر، توخينا أن نكون جلوسا بالقرب من بعض وكان لنا الكرنك الواحد والكتيبة الواحدة، رغم إننا كنا طلابا من مدارس ثانوية مختلفة و من تخصصات مختلفة. يوسف يا صديقي كان بعيدا عنا، بحثت عنه في ثاني يوم من المعسكر بعد التدريب البدني الشاق الذي لم أستطع انا له تحملا لنحول جسمي، النحول الذي كانت أمي تخاف أن يكون له الأثر الكبير في اذاي من المعسكر وطعامه المترب والغير محتوى على مواد غذائية كافية، ومن الباعوض والذباب في المعسكر.
وجدته بعد لأي، سألته أن يعود لينضم لنا، حاول أن ينضم لمجموعتنا ولم يستطع ياصديقي، نفس المدرب العسكري بطريقة العسكرية التي أساء لها الإسلامويون فجمعوا التشكيك في كل ما هو مدني وكل من هو مدني مواطن من العامة وكأنه عدو مثل من يحاربون، نحن لم نكن نعادي العسكرية، فقط ذاكرة وعبقرية أباءنا واخوتنا الكبار شرحت لنا ان هنالك مجموعة من العسكر توالي الإسلامويون وتتحكم في الجيش والبلاد، كانت هذه ومازالت المعلومة التي تصطف وتلتف حولها كل الحوارات والتحليلات والجمل طويلة ام مقتضبة، اقول ذلك العسكري رفض بكل مالديه من عنف وعسف، هو نفس العنف والعنف الذي عجل برحيل يوسف عندما إصابته حمي الملاريا، الحمي تلك يا صديقي التي جعلته خائرا متعرقا يهذي صبح مسا، كان الأمر للعسكري مجرد استهبال مدنيين كما أسماه، أسماه استهبال ملكية كما يسمى الجيش المدنيين بالملكية، لم ينفع استجداء زملاءه الطلبة للعسكري ولم يسعفوه اختلاسا وتمردا كما فعلنا نحن في حادثة مصعب صديقنا عندما لدغته العنكبوتة السامة التي تسمى بالكربة، فقط صار طريح مرقده الأسمنتي ذلك في غرفهم الكبيرة التي لم يسعف احد فيها فرحل
بكل اعتيادية تذكر أن اللواء الإسلاموي اتي صباحا في طابور الصباح وتحدث لما يقارب النصف ساعة عن انهم قدموا شهداء من قبل، تخيلته كلنا سيتحدث عن شهيد كما يسمونه في مكان الحرب في الجنوب، الا ان الخبر اتي مخيفا للطلبة أنه طالب من المعسكر، ولنا انه يوسف حامد
رحل يوسف حامد وتبقت لنا ذكراه، بقينا أكثر يقظة في مواليد الفجائع المتكررة، الأمر عند البعض صعوبة في المواصلات، و عند آخرين نقص في قيم غذائية للطعام، والبعض نقص في وسائل وكفاءات العلاج، لكن نحن الشباب الأمر عندنا موت

مجاني يسير في الطرقات يا صديقي

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!