في رحاب الجمال والمباني العتيقة (السلط )

بقلم : محمد  صوالحة

 

يسكنني الفرح ، وتجللني السعادة ، وتعلو جلبة الزغاريد في مزاريب الروح وهي تطوقني بذراعيها اللتين أشعر بهما أطول من التاريخ ،أحاول النظر لجبينها ، فأجده أبعد من الشمس، أي شمس هذه ؟ وأي قمر هذا ، يا الله الآن فقط علمت أي مستقر تجري له الشمس، وأي قلب يبحث عنه القمر ،إنهما يجريان إلى قلبها العامر بالحياة .

بمجرد الاقتراب من حماها تشعر بالدفء يسري في عروقك ، الطهر يملأ منك الإحساس.

إذا هي السلط ، هي التراث الحقيقي لأجداد صنعوا للمجد موطناً، وبنوا للعزة فوق هذا التراب مسكناً، السلط ليست كأي أرض، وترابها ليس ككل تراب ، السلط همس العذارى وبوح العاشقين ، السلط كحل لعيون الوطن ، وزغرودة تبعث في النفس العزيمة ، وفي القلب تشعل نيران الهوى لأرض ما رضيت بالظلم ، لأرض امتدت في عمق التاريخ إلى ما قبل سدوم وشعيب ويوشع وجادور، امتدت في قلب الزمن قبل أن تكون حَزّير ، هي التي هب أبناؤها لزراعة الخير في جوف الأرض، فتفتقت عيون الماء ونفض الزهر عن عينيه الغبار، وسما اللزاب، وشمخ الزيتون ، وفاح بعطره اللوز وتألقت الكرمة فصافحت عيون السماء .

في السلط ،وعندما أعملت مشرط النظر في جسدها الآية ، وعبرت إلى القلب منها أخذتني الحيرة إلى عوالم من الدهشة والانبهار ، وتسألت أي رابط يربط هذه العوائل التي تعددت منابتها وأصولها ، تعددت مشاربها الثقافية والدينية كما تعددت أشكال الخضرة فيها ، فالمسيحي أخ للمسلم يشاركه كل أفراحه وأحزانه ، هنا أبدا لا فرق بين ابن السلط وضيفها سحرني هذا القلب الذي تشكلت منه خريطة الأردن السياسية والاجتماعية.

عند الإشارة الضوئية أهبط من الحافلة ، والطريق يتفرع إلى أكثر من اتجاه ، أنظر أمامي وإذا بصبية تقف كالطود الشامخ ، سرقتني الخطى نحوها أقترب منها ، ينبض القلب بسرعة وهو يرتعد ، يضطرب فيه النبض ، وغاب مني العقل وأنا أقف أمام الروعة ، أمام القصيدة التي كتبها خالق الكلام ، وأسألها يا أخت حزير وابنة يوشع ، من أين الطريق إلى المدرسة الثانوية ؟ تبتسم وهي ترد على سؤالي : فيكشف البحر عن درره وأغوص في عالم من الأحلام لا يوقظني منه إلا صدى كلماتها؛ عد بضعة أمتار للوراء، ثم اتجه إلى شمالك فالطريق سيوصلك.
أتمنى لو أنها أطالت الوصف لأبقى في ملكوت الجمال سابحاً ، ولكني أتبع إرشادها وأسير ، إلى أين يأخذني هذا الدرب ؟ هل يوصلني إلى السماء  ؟ إنه صعود حاد ، أستوقف أحد المارين في الطريق لأسأله عن المدرسة، يبتسم ويقول: أنت تقف على بعد أمتار منها.

هناك ارتفع صوتي ،أنادي أستاذنا  وصديقنا الذي كان مدرسة للخلق السلطي ونبل أهل المدينة ،أنادي أبا معن أينك ؟أنادي الإخوة والأصدقاء ورفاق السلاح والعمر ،أينكم ؟ هيا نتفيأ ظلال سلطنا ونغنيها.
أدخل بوابتها ، يأخذني الشوق إلى الزمن الذ ي أسست فيه ، ماذا كانت تعلم؟ كيف خرجت رجالات الدولة في كل المجالات ؟ السياسية الثقافية والفنية.

من المنشية وتحديداً من مدرستها أعود أدراجي إلى وسط المدينة ، وأنا أقف على ذلك التقاطع ، أحتار إلى أين أتجه ، وأخيرا أقرر أن أتابع سيري باتجاه الشمال ، حيث شارع الميدان ، والذي سمي بهذا الاسم لأنه كان مكاناً للفروسية وسباقات الخيل ، هذا المعمار التراثي والفريد يأخذني إلى تلك العصور ، وذلك الزمن ، زمن الرجال الرجال ، وأسأل محافظ المدينة ورئيس بلديتها ومدير سياحتها ما زال تاريخ السلط القديم مجهولاً، فماذا فعلتم لتكشفوا عنه النقاب، وتنفضوا عن عيون ذلك التاريخ التراب ؟

أتلفت حولي فمن هنا إلى شارع الحمام ، والجدعة والعيزارية ،البيوت تتلاصق وكأنها في عناق أزلي ، أو كأني بها تعيش لحظة التلاقي بعد زمن من البعد ، ومن هذا الدرج نصعد إلى السلالم ، أتابع مسيري نحو الشمال فيصادفني وادي الأكراد ، وأتابع دربي إلى حيث يمتد البصر  ، إلى حيث مثلث زي الأغوار ، وهنا يبدأ السحر ، وهنا يفرض عليك الصمت، هنا تبدأ تخيل القصيدة التي ستزينها باسم السلط .

هل يعقل أن تختصر السلط بقصيدة ؟ هل يمكنني وصفها بكتابة ؟  وإن كان كذلك عن أي شيء ستكون الكتابة ؟ عن تاريخها ، أم عن أهلها وعطائهم المستمر ، عن أي المناطق ستكتب ، عن المدينة عاصمة البلقاء ، أم ستزور ألويتها وأقضيتها وكل منها تحتاج للكثير الكثير ، من هنا من هذا المثلث ، تنطلق إلى زي وطباعة العواملة وجلعد وأم العمد، وأيضا من هنا وعلى مسافة أقل من كيلو مترا واحدا تنعطف بك الطريق إلى الرميميين بشلالاتها الرائعة ، ومن ثم إلى البقعة وعين الباشا ، وإذا ما سرت با تجاه الغرب فإنك تتجه عبر طريق متعرج كثير الانحناءات إلى الصبيحي وميسرة ومن ثم إلى الأغوار .

وللحديث عن مدينة الطهر والطاهرين مدينة الشموخ ، مدينة المهباش وعطر السمن الذي ينادي الضيف ،  مدينة الأنبياء  والصالحين ، فمن  هنا  يحرسها  يوشع بن  نون، ومن الطرف  الآخر   يقف   نبي الله  شعيب .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!