في مدينة رسول الانسانية ( 4) بقلم : محمد صوالحة

اقتربت من الإمام وكانت علامات الخوف والرهبة قد بدت تظهر على ملامحي ، وفاجأني بكلماته، ولم يكن بالمسجد غيرنا إلا نفر قليل.
– ما بك يا بني ؟
– أريد أن أسلم على الهادي ، أريد أن ألقي بالتحية عليه ، أريد أن أشكو له حالي وأرجوه أن يقبلني من أمته، وأنا الذي انصرفت عنه إلى الملذات والشهوات ، أريد أن يتقبلني فيكون شفيعي في” يوم لا ينفع فيه مال أو بنون إلا من آتى الله بقلب سليم” فقط أريد أن يتعافى قلبي .

– حسنا يا بني ودعا الله بأن أنال القبول سرت خلفه وما من خلية في جسدي إلا وكانت ترتعش وكنت أشعر بها تبكي ندماً على ما فات من العمر وفرحاً بزيارة أعظم وأنبل وأشرف من وجد على هذه البسيطة ، هو من صلى الله وملائكته عليه، أنا في حضرة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وصلنا الروضة وكان هناك حاجز حديدي لمنع الدخول إلى الروضة ، وكان قبلها الإمام قد طلب مني أن أردد خلفه ما يقول: السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا صديق، السلام عليك يا عمر وراح يدعو الله جل في علاه أن يتقبلني وأنا لا أكاد أتبين ما أقول من شدة بكائي .

خرج الإمام وخرجت خلفه و غاية أمنياتي لو قضيت نحبي في تلك اللحظات التي كنت أشد خلق الله ارتباطاً بالله ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه .

عدت لموقع الحافلة ووجدت أبا يونس ونفر من المعتمرين هناك  ،  سألت أبا يونس كيف لي أنا أتجول في مدينة النور والبهاء ، فقال بسيطة أبو صخر ، تقف أمام السكنعلى الشارع ،  وستجد الكثير من الحافلات الصغيرة والسيارات التي تأخذك إلى حيث تريد ، حسنا ، تجولنا في المنطقة حول السكن وعدنا إلى موقع الحافلة نلعب الورق ونحتسي الشاي والقهوة ونسيت قلب الأم الذي سوف يحترق خوفاً على ابن خرج منذ صلاة العشاء ولم يعد حتى هذه اللحظة ، وأخت حائرة مشغولة على أخيها، أين ذهب في منطقة لا يعرف فيها شيئاً؟ ولكنهن متأكدات بأني في وضع جيد ، لأنهن يعرفن طباعي، وأنني إذا ما أردت شيئاً لا يوجد ما يردني أو يمنعني عنه إلا ما هو أقوى مني، أخبرني أبو يونس بأن الوقت تجاوز الثامنة صباحاً، وأنه حان الوقت لأعود إلى أمي وأختي وابني الصغير ولسريري ، أي سرير هذا الذي تتحدث عنه ؟  سأذهب لأمي أتناول إفطاري معها وبعدها أخرج في رحلتي للاطلاع على هذا المكان الذي يشعرك بالدفء والطمأنينة .

وعندما وصلت إلى  السكن وجدت أمي تقف مع السيد محمد نعمان مدير وصاحب السكن، وتخبره عن خروجي وعدم عودتي ، أسمع صوته وأنا اقترب منهم ها هو قد عاد ،

– أين كنت يا بني ؟

– كنت عند الحافلة مع الشباب تجولنا في السوق وها أنا قد عدت .

– أمي أريد الخروج إلى بعض المواقع الدينية .

– حسنا سنذهب سويا.

ذهبت برفقة محمد نعمان لاستئجار حافلة  ونجحنا في ذلك فقال السائق: من أين نبدأ؟

قلت له : من أي مكان تريد ، لأننا لا نعرف المناطق نريد زيارتها جميعاً .

– حسنا ، نبدأ من مسجد قباء .

–  توكل على الله ، هل المسافة طويلة ؟
– لا ما هي إلا دقائق ونصل .

شدتني كثيراً لهجته البدوية والتي لا تختلف كثيرا عن لهجة أبناء ديرتي ، كنت قد طلبت منه أن يحدثني عن أهل المدينة الحديثة .

فقال : يا أخي لا تسألني عنها إذا رغبت فهناك من عاصر تأسيس الدولة الحديثة، أو من الجيل الذي تلاهم ، وأخذ يتحدث عن دولته وتوفيرها كل متطلبات الحياة الكريمة لأبنائها ، والنهضة التي تعيشها العربية السعودية من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية.

ها نحن قد وصلنا قباء يا أخي.

عندها سيل من المشاعر اجتاحني ،أخذني معه لعصر حلمت لو كنت أحد أبنائه ، هنا تأسست الإمبراطورية العظمى ، هنا كان النداء الأول لدولة اجتاحت الأرض وعلمت البشر أينما تواجدوا معنى الرقي ، من هنا انطلقت شموع الحرية والإباء ، من هنا كان التعريف الحقيقي لمعنى الإنسان ، من هنا كانت انطلاقة الحق ، ومتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.

إلهي .. كيف كان الاجتماع الأول بين ابن هذا التراب والقادم الجديد المبشر بسعادة الإنسانية؟

ما الذي دار في ذلك الاجتماع ؟كيف لمجتمع أسس على هذه المبادئ أن لا يجتاح الدنيا؟ وأن لا يقبل عليه من ضاقت بهم الدنيا وأعجزتهم صروف الدهر ؟

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!