في مدينة رسول الهدى (3) بقلم : محمد صوالحة


ولكن عمان المتناقضات لا تقارن بمدينة أخرى،عمان بسهلها وواديها  بتلالها وسفوحها، بفوضاها العارمة،  وهدوءها المزعج  هي الأحب ، ولكن أين هي من هذا التنسيق وهذه الروعة ؟ أرد على أسئلة النفس يا سيدي جمالية عمان تبقى في فوضاها ، خصوصيتها في تناقضها ، اهدأ فلا مكان لعمان هنا، ابق مع حبيبك ومدينته المحمية من المسيح الدجال، ومع ذلك لا يوجد في الدنيا أغلى من عمان فوالذي نفسي بيده لو خيرت ما بين الدنيا بأسرها وبين عمان لاخترت عمان ونسيت ما تبقى من الدنيا، لا أدري سر هذا الإصرار والمقارنة بين عمان وأية أرض أدخلها، لماذا تسيطرعلي عمان بشوارعها الضيقة والأخرى المتسعة؟ لماذا تسيطرعليَّ عمان بمخيماتها ومناطقها البرجوازية ؟عمان بنت العشيرة،عروس الدنيا .

يخرجني أبو يونس من عاصفة الحنين التي تجتاحني لندخل إلى السوق ، يا لهذا الجمال ، وهذه الروعة ، يا لهذا التنظيم  ، لا تحتاج للخروج من هذا السوق إلا عندما تنهي كل احتياجاتك ، لا  ليس سوقاً بل إنه مدينة مصغرة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان  ودلالات ، سوق يحتوي على كل ما يخطر بالبال من أصغر الأشياء حتى أكبرها ، وأنت تتجول في هذا السوق تشعر بمتعة غريبة،  مضى الوقت ولم نشعر به عاد أبو يونس لخطفي من متعتي ليخبرني بأن الوقت تأخر وأصبح لزاماً علينا العودة ،حسنا لنعود ولكن لنغير الطريق الذي أتينا منه ،  علنا نكتشف شيئاً جديداً من ذواتنا وحقيقتنا التي طالما غابت عنا،عسانا نكتشف براءتنا وطفولتنا عندما نكتشف براءة وطفولة هذه الشوارع .

واستمر المسير وقبل أن نصل كل منا إلى مكانه كان المنادي ينادي لصلاة الفجر ، اتجاهنا للمسجد وهناك وبعد أن أدينا تحية المسجد أمسكت بكتاب الله ورحت أقرأ كلماته، وكنت قد فتحت المصحف الطاهر على سورة الإسراء وكانت ” سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ” وتعود الدهشة لتخطفني من جديد ، بالتأكيد أن المصطفى في رحلته تلك مر من هنا ، إلى تبوك وعمان والأغوار إلى القدس الشريف ، الأن اكتشفت أن سر تعلق  الإنسانالأردني بأرضه هو البركة التي أنزلها الله على هذه الأرض التي تجاور الأقصى ، إذاً هذا هو سر التوحد بين الضفتين ،إذاً لم يكن سر التعلق بين شرقي النهر وغربه محض صدفة بل هو منحة إلهية وهبها الله لأرضي؛ لتكون في جوار المساجد الثلاثة الحرام والنبوي والأقصى ، إذاً هو سر الخلود لأرض الأنبياء والمرسلين .

هو سر البقاء والعشق لأرضي أرض الحشد والرباط . ياإلهي .. أنا في بيت رسول الله وصحبه ولا ألقي بالتحية عليهم ؟  هل يمكن أن أكون في بيت أكرم خلق الله ولا أُشرف عيناي بروضته الطاهرة ؟ أشتاق لأن أُلقي بتحيتي إليه فيردها لي بأحسن منها، يا له من شرف عظيم وغاية الأمنيات، نهضت من مكاني وركضت باتجاه الإمام الذي شرفه الله تعالى بأن يكون إماماً لثاني الحرمين، ركضت باتجاهه ، كان ينتابني  إحساس غريب  لا أدري كنهه ،  ربما كان ذلك الإحساس نتيجة الأمنية التي باتت تسكنني وهي أن أصل إلى تلك الروضة ، كان يُخيل إليّ بأن نور يشع من عيني ذلك الإمام ومن جبينه لا بل كان النور يسطع من الإمام،والسؤال في النفس كيف لا يشع النور منه وهو في حضرة كامل النور وخادمه ، كيف لا يسطع نوره وهو المشاء في الظلمات ، أنا لا أريد نوراً كما نوره ، أريد نور الحبيب أن يملأ قلبي عسى أن يمسح ذلك النور عتمة سنين خلت بلا فائدة أو طائل .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!