هل هذه بيروت(2)/بقلم:محمد عمربحاح( حضرموت- اليمن )

وكانت بيروت تلملم اشلاءها ،، وترمم بقاياها جراء إنفجار مرفأ بيروت ، تقاوم الموت ككل مرة وتحيا من جديد ..
اطلق البعض ماحدث ( بيروشيما ) لقوة الانفجار تشبيها لما جرى لمدينة هيروشيما اليابانية التي قصفها الامريكان بالقنبلة النووية ، ووصف البعض انفجار مرفأ بيروت بانه اكبر واقوى انفجار غير نووي في عصرنا الحالي .!! حيث امتد الانفجار الى نحو 10 كيلومترات ، ترافقت مع موجة صادمة هزت العاصمة وادت إلى اضرار كبيرة في المرفأ وتهشيم الواجهات الزجاجية للمنازل والهياكل في معظم الشوارع والاحياء القريبة من المرفأ، والى مقتل 218 و7000 جريح وتضرر 150 الف وحدة سكنية ، اما الخسائر المادية فقدرت مابين 10 إلى 15 مليار دولار امريكي .

مررنا من امام موقع الإنفجار الرهيب .. بعد مرور سنتين مابقي من ركام الصوامع لاتزال تشتعل ، السنة لهب في الأسفل ، وادخنة تتصاعد منها إلى السماء ، ولازال المجرم طليقا… !
اهالي الضحايا حفروا اسماء احبتهم الذين فقدوهم ، ورسموا صور هم على جدران الكورنيش ليرى كل من من يمر من هناك بشاعة ماحدث في ذلك اليوم من 4 آب / اغسطس 2020 ..وحتى لاينسى احدهول ماحدث ، وبشاعة الجريمة.. لكن مكانهم الطبيعي يظل في القلب . ( لاشيء ينسى .. لا احد ينسى ) ومع هذا لم تقم الدولة حتى الان نصبا تذكاريا لضحايا الانفجار الرهيب ..
ترجلنا من السيارة ، انا وعبير حياتي واخذنا نتأمل بقايا الأطلال ، ونحاول تخيل هول المأساة ! قرأنا الفاتحة على ارواح الشهداء وسألنا الله ان يمن بالشفاء على الجرحى ويحل سكينته والصبر على اهالي الشهداء وضحايا الانفجار .
وغير بعيد ، يرقد رفات رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان السابق ورفقته عند مسجد محمد الامين الذي بناه الحريري ولم يكتمل الابعد موته في انفجار سيارته قبل 17 عاما..
كثير من شوارع بيروت تحمل اسماء زعماء قضوا نحبهم إغتيالا ونصبت لهم انصبة اوتماثيل ..اما ضحايا الحرب الأهلية اللبنانية ال 120 ألف في سبعينيات القرن الماضي والتي استمرت نحو 15عاما ( 1975 – 1990م ) فحدث ولاحرج ..
لكن بيروت تظل بيروت ، عصية على الموت ، وفي كل مرة تنهض من بين الرماد مثل طائر الفينييق ..اليس اللبنانيون احفاد الفيينقيين ؟!!
اسفل بيروت الحالية ترقد عدة <<بيروتات>> طمرتها الزلازل عبر قرون . تعرضت المدينة اعوام ( 494 و 502 و 529 و 534 للميلاد لسلسلة زلازل لكن اشدها حدث سنة 551 م ودمر بيروت تدميرا عظيما . والزلزال الذي ضرب بيروت سنة 1261نتج عنه غرق العديد من الجزر التي كانت على ساحله .فيما ضرب زلزال ضخم الساحل الشرقي للبحر المتوسط سنة 1759 ودمر مدينة بيروت بالإضافة إلى العديد من المدن الأخرى . آخر زلزال ضرب بيروت سنة 1959م كان بقوة 6 درجات على مقاس ريختر وهدم 6000 منزل وادى إلى تصدع عشرات الالوف ، وإلى قتلى وجرحى .. لكن بيروت في كل مرة تلملم اشلاءها وبقاياها وتسمو فوق جراحها، وتنهض من جديد ..
بعض المدن عصية على الموت .. وبعض الشعوب صانعة معجزات ، عليها ان تحتمل الوجع والنسيان وتقهر الذات ..لقد ابتليت هذه المدينة عدة مرات .. وامتحنت عدة مرات .. مرات بالزلازل المدمرة ، ومرات بحروب الاعداء الطامعين قديما وحديثا بموقعها الاستراتيجي ، ومرات بالحروب الاهلية ، وبكوارث لاحصر لها ، لكنها تفاجيء الجميع كل مرة بانها عصية على الموت .
وبعد سنتين هاهي بيروت ترمم بقاياها التي طالها إنفجار المرفأ على بعد عدة امتار ، اما الأرواح التي ازهقت فلن يكون بوسع احد إعادة الروح إليها ، ولا محو ذكراهم من انفس اهلهم والبيروتيين …
وتظل بيروت الحقيقة الوحيدة التي تحول ضعفها إلى قوة !

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!