وِقْفَةٌ عند مشارفِ الخندق/بقلم:عبد يونس لافي

ها أنَذا في شَمالِ المدينةِ المنورةِ،

ومحيطُ آثارِ الخندقِ أمامي.

أقفُ فأسترجِعُ ما قرأتُ

عن تلكُمُ الآلافِ الزاحفةِ

صوبَ المدينةِ تريدُ دَكَّها،

وقد فاقت جميع سُكّان المدينةِ،

صغاراً وكباراً، إناثاً وذكورا .

اسْتَحْضَرْتُ رسولَ اللهِ،

يعقدُ اجْتماعًا عسكريًّا

غيرَعاديٍّ في ساحةِ الميدان،

يستمعُ الى جُندهِ، يستشيرُهم

في التخطيط لمُلاقاةِ الأحزابِ

من قريش وحلفاءها،

ممَّن حرَّضهم يهودُ بني النضير،

مضافًا إليهم يهودُ بني قُريظةَ،

الذين نكثوا عهدَهم، ونقضوا ميثاقَهم

مع المسلمينَ (وكذلك يفعلون).

نعم  يجتمع الرسولُ القائدُ بجندِهِ،

يستمعُ اليهم على الرغمِ من

إيمانه بالنصرِ الأكيدِ من الله.

تلك لَعَمْري هي القيادةُ الرشيدةُ

التي تستشيرُ، لتعطي الدروسَ

للقادمِ من الأجيال.

يا الله لا أدرى كيف تزاحمتْ امامي،

وفي مُخَيَّلَتي صورُ هؤلاءِ الجندِ،

يحيطون بقائدِهم مُتحمِّسين.

نعم وتتراءى أمامي

صورةُ سلمان الفارسي،

مَن كان مجوسيًّا، فأصبح سلمانَ الخير.

هو سلمانُ الضاربُ في الارض،

الجاعلُ من الحقيقة ضالَّتَهُ حتى وجَدَها.

رجلٌ بسيطٌ وجنديٌّ مخلصٌ

ينقلُ تجربةً جديدةً في فن المقاومة.

فيقول: (يا رسولَ الله،

إنّا كنا بأرضِ فارسَ،

إذا حوصِرْنا، خَنْدَقْنا علينا).

يستجيبُ الرسولُ لكلماتٍ

اندَلَثَتْ بصدقٍ على شفاهِ

هذا الصحابيِّ الجليلِ،

ليُدْخِلَها خطةً اساسيةً، ثم ينفِّذُها.

أُقلِّبُ عينيَّ بعيدًا فلا أرى،

إلا آثارَ خندقٍ قد انْدثر،

لكني أحْسَسْتُ كأنني أرقب

النبيَّ القائدَ يشاركُ جندَه في الحفرِ،

بل ويثيرُ الهِمَّةَ فيهم ليُنجزوا المَهَمَّة

خندقًا كان سببًا في صدِّ هجومٍ

خطَّطَتْ له الأحزابُ،

للقضاءِ على الإسلام في مهدِه .

جيوشٌ تقفُ على مشارفِ المدينةِ،

لا يقف أمامها إلا هذا الخندقُ

يُعيق تقدُّمَها.

هكذا تجلَّتْ حكمةُ القائدِ يتقدمُ الجنودَ،

يحفُرُ معهم لا أن يرقُبَهم عن بعدٍ،

او يسمعَ أخبارَهم عن طريق وسيط.

كان معهم يتعبُ مثلما يتعبون،

ويجوعُ كما يجوعون،

ويحفرُ كما يحفرون!

 

لله درُّ القومِ ما عانَوْا

وقد نال الخوفُ منهم،

(وإذ زاغت الأبصارُ،

وبلغتِ القلوبُ الحناجر)،

لكنَّه الإيمانُ يدفعهم،

أن سيأتي اليُسْرُ بعد العُسْرِ،

وأنَّ النصرَ قادم!

لقد خيَّب هذا الخندقُ جمعَ الاحزابِ،

وأصابَ المنافقين والمُرجفين

في المدينة في الصميم،

اذ كانوا يرقُبون بشغفٍ،

خسارةَ المسلمين وقائدِهِم،

لكي لا تقوم للإسلام قائمة،

لكن إرادةَ الله اقوى،

حيث ينتصرُ المسلمون،

وتندحرُ الأحزابُ، وتُرَدُّ خائبةً،

بعد أن فشلَ حصارُهم للمدينة.

هكذا علت رايةُ الحق،

وتقدَّمَ المسلمون بعد عشرٍ من السنين،

ليُسقطوا فيها عروش كسرى في العراق،

وعروشَ قيصرَ في بلاد الشام،

كما أخبرنا الرسول!

كان نصرُ الأحزابِ نصرًا مُؤَزَّرًا،

نتجَ عن اشارةٍ من صحابيٍّ جليلٍ،

حمت المدينةَ من إبادةٍ خُطِّطَ لها!

 

جزيت خيراً ايها الرجل،

وحُقَّ لك وسامُ الشرف

الذي منحك اياهُ قائدُك:

(سلمان منا أهل البيت)!

نعم سلمان منّا أهل البيت،

وكيف لا يكون؟

رضِيَ الله عنك أيُّها الصَّحابيُّ الأمين،

وعن اخوانك من الصحابةِ أجمعين،

مُثبَّتٌ لكم هذا الرضا،

 بوحيٍ من اللهِ يُقرأُ كلَّ حينٍ.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!