رسالة إلى آمال/ بقلم:أميمة راجح

جبنت كثيرا للحد الذي توقفت فيه عن التحديق في حدقتيك الخضراء منذ زمن طويل -فلون كهذا قد يوقض ما مات منذ زمن بعيد- ،لو كان بيدي يا آمال لحكمت على الجبناء أمثالي بالإعدام خوفا حتى الموت لكن الأمر ليس بيدي الأمر دائما كان بقلبي وقلبي تالف أتلفته الأرقام ،والمعادلات الرياضية ،وجمل الدوران اللانهائية في لغات البرمجة ،ومعطوب بشحنة كهربائية تجاوز جهدها 48 فولت أشعلت فيه الحرائق فقضت على كل ترددات الكلمات التالية:
(العاطفة ، المشاعر ، الروابط ، العلاقات )
ودون تمويه لقد كانت الخسائر فادحة ،لقد تجاوزت المعقول لقد تلف مع كل ما سبق الأمل والأمل كما تعلمين يا آمال ليس كالبقية.

في نصيحة صادقة قال لي رجل ذو نظرة ثاقبة “الصفاء الذهني ضروري للكتابة “.
لقد كان محقا ،لكن للأسف الشديد لا يمكنني أن أطبق نصيحته الذهبية فأنا ببساطة أكتب الرسائل كي لا أختنق وكما ندرك نحن البشر في لحظات توديع الحياة الأخيرة نبذل جميعنا قصارى جهدنا لنتمسك بآخر نفس ،وهذه الرسائل البائسة تنقذني كل مرة من لفظ آخر أنفاسي فليعذرني هو ونصيحته وأنتي فما على الميت من حرج.

آمال…… وأنا على بعد ستة أشهر تقريبا من بلوغ السادسة والعشرين قررت أن أشيع ضحايا الحرائق بقلبي فلا سبيل لعودتهم للحياة ،أن أحمل على أكتافي فشلي الذريع في الحب ليبدو لمن خذلته واضحا ،أن أتوقف عن المحاولات غير المجدية في وضع أحمر الشفاه بشكل دائم داخل حقيبة يدي ،أن أفتش عن عباءة واسعة للغاية أغطي بها تفاصيل جسدي الرقيقة التي لا تتناسب مع جفافي وحدتي وجمود عواطفي ،أن أتنصل من كل ما يثبت هشاشة روحي وحساسيتي الشاعرية المفرطة ،وحناني الفطري وعمق عاطفتي الجياشة، ففي هذا العالم المتوحش لا شيء ينمو إلا المخالب الصلبة والأنياب المحتدة والجدران المتينة ومزيدا من القسوة والقسوة والقسوة تارة تحت مبرر قانون الغابة ،وتارة أخرى داخل جداول الصواب في الرياضيات المتقطعة.
آمال……. هناك سر سر كبير يأكلني من الداخل ،هذا السر مفاده:
هذا العالم الكبير خدعه ،نحن فيه سلسلة من الأصفار المتتالية مرة نكون رسالة رقمية آمنة ومرة أخرى نصبح فيروسات ضارة يجب التخلص منها ،وفي كل مرة هناك لاعب واحد يعبث بلوحة المفاتيح على الخريطة وحده يملك حق تصنيفنا ،لا أخفيك سرا حاليا العالم يراهن على القضاء علينا ،نحن فيروسات ،فيروسات لاتأكل المعلومات ولا تكسر جدران الحماية ،نحن فيروسات نقطن على مساحة جغرافية ثمينة للغاية لا نستحقها…… هل فهمتي السر يا آمال؟!

آمال……… لا أدري كم كنت غبية حين قررت كتابة هذه الرسالة ؟
فكيف لامرأة فاشلة لا تستطيع أن تخبر حبيبها أن قلبها المضروب بفولتية عالية ليس إلا صريع قلبه وأن الفولتية العالية ليست إلا مشاعره نحوها ، أن تصبح صديقة جيدة يمكنها تبادل الرسائل الرائعة مع شجرة زيتون اسمها آمال؟

صدقيني نحن الكتاب ضحايا الكلمات ،سجناء الكتب التي لا تروى ،نحن وحدنا من تعجز اللغة عن حمل أوجاعنا ،مشاعرنا، واليأس الطافح من تحت أظافرنا ،نحن الكتاب لا نستطيع الإحتفاظ بصديق واحد ،ولا يمكننا أن نمنح لحبيب أيضا ربع مانكن له ليس لأننا بخلاء إنما لأننا مذعورون على الدوام -جبناء كما قلت سابقا- والجبن جريمة عظمى ومطلقة دائما مضاعفة فليس هناك أسوأ من أن نرغب بإحتضان أحدهم والبكاء بشدة الشوق القابع فينا ثم لا يمكننا سوى الصمت حين نلتقيه كما لو أن كل تلك العواصف والزوابع ليست إلا خلل برمجي يمكن التخلص منه بإعادة تشغيل الهاتف.
آمال.. لا تنتظري تفتحي فأنا وردة جبانة أخاف أن يعجب بي أحد القساة فيقطفني وأموت بين ذراعيه شهيدة العشق.

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!