في المرأة وفلسفة القهوة(النص 1) بقلم سمير محمد ايوب

 

مذاهِبُ الساحِرَةِ ، وفِقْهُها ….

غروب ذات يوم ، كنت وصديق عمر ، آت من سحماتا في جليل فلسطين المحتلة ، نحتضن قهوتنا بين راحتينا ، نتسكع خارج النص واطره ، على الشاطئ الأقصى لثغر الأردن في اقصى الجنوب ، مدينة العقبة ، حين بين الجد والهزل ، باغتني صديقي بسؤال خارج السياق : منذ عرفتك ، وأنا الحظ بيسر ، مدى تذوقك لقهوتك . تُحْسَدُ على ما تبادلك من متعة ، تتوزع اشاراتها بَيِّنَة الملامح على الكثير من تضاريسك . قل لي بربك ، لِمَ تُحِبُّ القهوة لهذه الدرجة من العشق ؟!
مقهقها بوجع مهموم ، توقفت في مواجهته . متعمدا أن يكون وجهي مطلا على سهوب الماء ، الممتد بين العقبة في الأردن ، الى توأمها أم الرشراش قبالتها ، في فلسطين المحتلة . ثم قلت بشئ من الجدية : في قهوتي يا إبن الجليل ، الكثير من مذاهب المرأة ، وفقه كل النساء .
سأل وبراءة مفتعلة في عينية : كيف ؟
قلت وانا لا أقلُّ عنه تخابثا : ما عليك ، تعال نستعرض الأمر واحدة تِلوَ ، وشفّة تلو شفّه .
قال مبتسما ، وكَفَّهُ تُربتُ على كتفي الأيمن : كلي آذانا صاغية . هات ما عندك من شطحات ، يا فيلسوف القهوة .
قلت : المرأة والقهوة صنوان رفيقان ، أذواق ومذاقات ، مِلَلٌ ونِحَلٌ. بعضنا يا صديقي ، بحبها حلوة . أليس كذلك ؟ أكملت دون أن أتحرى لسؤالي جوابا منه . تركته فاغرا شيئا من فِيهِ وشيئا منه مزموما ، وقلت : ولكن بعضنا يحبها مُرّةً . بعضنا يحبها خفيفة . وبعضنا يحبها ثقيلة . بعضنا يحبها وسط . وبعضنا يحبها عالريحه . أليس كذلك ؟!

خِلْتُ أن عينيه تتوسلان ، لإقتطاع هنيهة يلتقط خلالها انفاسه . أهملتُ ما ظننت . وأكملتُ مُعاتبا مستهجنا : ألا تطيق صبراً ! تمهل أيها العجول . فأنا لم أكمل بعد إجابتي على ما سألت .

عميقا تنهد ، ونفخت شفتاه ،تأفُّفَ المستسلمين المغلوبين على أمرهم ، فخلته يقول : تفضل أكمل شطحاتك ، وأمري لله وحده .
أكملت مزهوا ، بسيل من الأسئلة التقريرية المتلاحقة ، لأرهق سمعه وعقله وقلبه : ألا ترى يا صديقي العجول ، ان البعض منا يحب قهوته مغلية ، وأُخرٌون يحبونها ساخنة ، ولا بأس إن كانت فاترة أحيانا ؟!
تنفس العربي ابن الجليل الصعداء . فعاجلته مرة أخرى ، طالبا منه ، التمهل لأكمل ما بدأت عن الساحرة . فقلت أتمنى ان تتذكر ، أن بعضنا يحب قهوته مزبوطة . وآخر يحبها رائقة ، وآخر يحبها وعلى وجهها رغوة .
هنا ، رأيت غيوما محتبسة في عينيه . تنذر بشئ من الرعد . فسارعت مكملا حديثي . وكأنني لم ألحظ ما بان فيهما من تململ ، قلت دون ان انظر إليه : أثق أنك تعلم الكثير عن مقاربات ، كل منا لقهوته . أنا مثلا ، احتسيها بتمهل ، شفّة تلو شفّة . وغيري يشربها شَفطاً . وتسمع صوت غير غيري وهو يتذوقها ، وهناك من يلتهمها على الساكت .

ضحك صاحبي وقال : ضقت بك ذرعا . ولكن ، صحيح والله ما تقول . أكمل وأمري لله . جعلتني اعشق كل تلاوين القهوة .

قبل ان اواصل ، ونحن في محاذاة أول ماء الشط ، إرتطم بنا الكثير من رذاذ ، قطيع من الموج المشاغب المنصت لحوارنا . على ما يبدو ، أبت هي الأخرى ، إلا ان تشاركنا على طريقتها المائية ، شطحات القهوة . فابتعدنا هاربين كطفلين ، من كثافة الرذاذ . تعثرنا بكرسيين على الشاطئ ، تماما قبالة شئٍ من فلسطين . جلسنا متجاورين عليها . يشوبنا الكثير من البلل ، ويملؤنا الكثير من اللهاث

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!