لقد دُعيت(1)/ بقلم:عبد يونس لافي

(دعاكَ اللهُ لزيارةِ بيتهِ، ألا فاقْبلِ الدعوة)

سمعتُها كثيرًا، وكان حقًّا ما سمعت.

لقد دُعيتُ، 

إذْ مُنِحْتُ تأشيرةَ الحجِّ دون عناء.
لم أكنْ لأرتبطَ بمجموعةِ حجٍّ معينة،
كما هو مطلوب.

ثم لا أُخْفيكَ، 

كان لي موعدٌ مع إحدى الشركاتِ،

لإبدالِ سقفِ البيتِ الذي اسكُنُهُ،

نعم وكان قبيلَ موعدِ الحج بقليل!!

كنت أجلسُ والبالُ مشغولٌ بهذا الشأن.

فلا أنا راغبٌ عن إبدالِ السقفِ،

ولا أنا راغبٌ في أن أتركَ الحج!

أضْحى الأمرُ صعبًا،

وعليَّ أن أختار!
وبينا كنت كذلك،

وإذا بمسؤولٍ من الشركة،

يُبْلغَني أنه قدَّم الموعدَ اثْني عشرَ يومًا …
أدركتُ أنني حقًّا دُعيت.

لم تكنْ فكرةُ الذهابِ لأداءِ الفريضةِ

قد استقرت إلاّ قبل َ وقتٍ  قليل.
قال المقربون:
إنه من المستحيلِ أن أتمكَّنَ من الحجِّ لِتأخُّرِ الوقت،

فأغلبُ الحجاجِ قد مهدوا لذلك قبل شهرٍ أو شهرين.
لكني توكَّلتُ على اللهِ إذ توكَّلت.

كان عليَّ أن أقومَ بحجزِ التذاكرِ بسرعةٍ

كي أضمنَ الوصولَ إلى جَدَّةَ

أو المدينةِ ضمن المواقيت المحددةِ،

قبل أن تُغلقَ الاجواءُ فتضيع عليَّ الفرصة. 
كنت قد حجزتُ تذكرةَ السفرِ

عبر شبكةِ الاتصالات،

واخْترتُ الطريقَ والأوقات،
بَيْدَ أني فوجئتُ أنَّ هناك تعليماتٍ

تحولُ دون الذي خططتُ،

الزمتني ان أُلغيَ الحجزَ،

وأَن اتصلَ على عجلٍ،

بشركةِ سياحةٍ مُعتمَدةٍ في شؤون الحج.

حين أخبرتُهم بالأمر قالوا إن الوقتَ قد تأخر،

وأنهم أكملوا تنظيم رحلاتِ الحج الجماعيةِ منذ زمنٍ،

ولا يمكنني الحصولُ على تأشيرة الحجِّ 

إلا عن طريق وكلاءَ مسجَّلين لديهم!
قلت لهم: لا عليكم!

فإني حاصلٌ على التأشيرة،

وسأَتولّى أمري بنفسي هناك.

هيأَ اللهُ لي موظفةً من البوسنة،

تشتغلُ في تلك الشركة،

وبعد نقاشٍ معها ومراسلاتٍ،

اۤلَ الأمرُ أن وَجَدَتْ رحلةً… وافقتُ عليها حالًا،

لأن المقاعدَ كانت تحجز بسرعةٍ على قِلَّتِها،

والأسعارُ تتزايدُ باضْطِراد، 
طلبَتْ ان أُرسلَ لها صورةً من جوازِ سفري،

وبعضَ الاوراقِ التي سألتْني أن أملأها،
فعلتُ حالًا، وأرسلتُها الكترونيًّا

وخلالَ ساعةٍ استلمتُ التذكرة.
ألمْ أقُلْ لك أني دُعيت!!

الاۤن بدأتْ رحلةُ البحث عن سكنٍ هناك،

كان من العسيرِ جدًّا ان أجدَ مكانًا في مكةَ او المدينة،

لكثرةِ  الحجاج القادمينَ من أنحاءِ المعمورة.
الوقت يسابقني،

فأنا وحيدٌ دون حملةٍ ارتبط بها،

تتولّى امورَ السكنِ والتنقلِ والأكل. 
كنت في موقفٍ لا اُحسدُ عليه!

أخيرًا تمكَّنْتُ من حجزِ سكنٍ في المدينة لأربعةِ أيامٍ،
لقد كان بعيدًا عن المسجد النبويِّ لكنْ لا خَيار.


كنت أُخطِّطُ أن أزورَ المدينةَ اوَّلًا،

ثم أذهبُ إلى مكةَ،

على أن أُغادرَ المدينةَ قبل يوم التروية بيوم. 
أمّا في مكةَ فسأَبحثُ عن مكانٍ،

فاِن اخفقتُ فسوفَ اضطرُّ الى أن اسكنَ المخيماتِ

التي أعدَّتْ من قبلِ مكتبِ الحجاج  الفرادى،

القادمين من تركيا وأستراليا وأوربا وامريكا،

لأني ملزمٌ بدفع تكاليف المخيَّمات والتنقل بين المشاعر

في المطار عند الوصول.

 

هنا لا بد أن أذكر أنَّ اخًا لي من مكة،

كان دائمَ الاتصالِ بي يُتابعُ موضوع رحلتي عن بعد،

حيث شاءت الأقدارُ أن يكون في ذلك الوقت،

متنقلاً بين تركيا وألمانيا لشؤونٍ عائلية.

كان يتحسَّسُ وهو الخبيرُ بأحوالِ مكةَ خلالَ موسمِ الحج،

أني ساُلاقي صعوباتٍ جمَّةً،
شعرتُ انه كان يتمنى لو أجَّلْتُ السفرَ الى قابلٍ،

لا لشيءٍ إلّا لأنه يخشى 

اني سوف لا اطيقُ ما سأصادف من صعوباتٍ،

في التنقل والسكن في مكة.

 

لقد كان الرجلُ محرَجًا لأنه لا يستطيعُ أن يطلُبَ من معاريفهِ،

أَن يتولَّوْا مساعدتي، لأَن أهلَ مكةَ كلهم مشغولون في هذا الموسم،

ومع ذلك أعطاني رقمَ تلفونِ أهله لأَتَّصِلَ بهم،

بل ذهبَ ابعدَ من ذلك أن قال لي:

انه يزمعُ أن يسألَ اقرباءَ له،

أن يُهيِّئوا غرفةً لي في منزلهم،
أجبته بالشكر البالغ والرفضِ القاطع،
واني سأتولى الأمرَ كما خططتُ،

وكما يخطط ليَ الله،

هو دعاني وهو حسبي.

 

كان الأمر يشغلني حقًّا، 

واذا بالأخ الذي سهَّل وسرَّع

في اجراءات منحي التأشيرة يتَّصلُ بي ،

سألني عن استعدادي للسفر،

قلت له:

اني اتوقعُ أَن سألاقي بعض الصعوبات!

قال لي: أمهلني سأتصل بك غدًا.

في اليوم الثاني وصلتني رسالة منه،

أَدرجَ فيها اسماءَ اشخاصٍ وارقامهم

مشفوعةً برسائلَ صوتيةٍ،

يتحدثون عن موضوعة السكن والتنقل،

في مكة للحجاج الفرادى.

 

اتصلتُ بأحدهم وكان مصريًّا،

يشتغلُ مديرًا للنقليات في جدة،
كما اتصلتُ برقمين آخرين زُوِّدْتُ بهما، 

كانا لشخصين قد سافرا إلى الحج سابقًا بنفس الكيفية.

لقد كان الجميع حريصين

على ان يُقدِّموا النصائحَ لي،

مما يُسَهِّل عليَّ مهمة التصرفِ حين أصل.

حقا لقد كانوا على قدرٍ كبيرٍ من الأخلاقِ الراقيةِ، 

حيث بقوا على اتصالٍ بي قبلَ واثناءَ وبعدَ السفر.

في هذه الحال بدأتْ الأمورُ تتضحُ

ولو نظريًّا لما ستكون عليه،

لكنَّ شعوري واطْمئناني كانا راسخَينِ

بأن اللهَ سيهيِّئُ من يخدمني،

وهكذا كان الامرُ كما سأُذكرُ لاحقًا..

ربما كان مصدرُ هذه المشاعرِ ما ذكرتُهُ 

في وداعي للرسولِ المصطفى عندما ذهبت للعمرةِ،

قبل اربعة شهور من هذه الرحلة.

في ذلك الوداعِ قلت:

” وعلى مَضَضٍ ودّعْتُهُ ثم بكيتْ

لكنَّ صوتًا كان يأتي من بعيدْ
أنْ ستأتي …… ويُعيدْ
ويُعيدُ مرَّةً اخرى، فلا تقنَطْ 
سيدعوكَ الحبيبْ
نعمْ ستأتي عن قريبْ “*

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!