آفاق حرة للثقافة صحيفة ثقافية اجتماعية الكترونية
عندما تغادر سيكون لديك متسع من الوقت لحراسة مزاريب الذكريات و اشتهاء الروح لرائحة البلاد
في الزمن الرديء تخوض معركتك مع الوجود
تحمل في حقيبتك خوفك و تعاليم القبيلة ولن تنسى جيشا من المحرمات
ما استطعت على ظهرك من كل تابو على الخريطة العربية
أنت فراش عابر في كل الدروب بلا أثر
يفترسك سرطان القهر ببطىء يفتك خلاياك
لست أنت أنت
أنت غارق في بحر مصطلحات الهوية
تلوح للنوارس البعيدة و لسماء غرست في روحك الغياب
تائه أنت في اللازمان و اللامكان
مهمل ،منفي تبحث عن توازنك
مهما استحضرت من قوانين الجاذبية و الفيزياء
لن تستطيع السير في الأزقة الغريبة
في الزوايا النظيفة بلا قمامة
خطواتك مازالت هناك تسامر التراب في ليله الطويل
تتقدم نحو الغد بذاكرة الشهداء و ماتراءى لك من مجازر
ما خبرته من مقاصل الرغيف و البرد
في يوميات من تمرد على نهج الغول في أكل القطيع
في أوروبا سيعاديك النوم
ستراودك قبور تتطاير في هواء غرفة نومك
يزدحمون بأكفانهم على سريرك
آثار دمائهم و دموع و أشلاء
في ليلها الباهت
تتمدد بين جثث و بيوت مهدمة
تطاردك العصافير التي فقدت أعشاشها عند شجرة
صار جذعها بندقية و أغصانها رصاصات
طيف الياسمين الذي صار شظايا
وكل رضيع فطم قبل أوانه قرب جثة أم تحت الأنقاض
ستكره ثيابك الأنيقة و رائحة عطرك الفاخر
ستبتسم للكلاب
تلاطف الجارة العنصرية
ستدعي أنك تعشق باخ
و أنك قرأت غوته
تحب زيارة المعارض و المتاحف
و تهوى ألبرخت دورر
لن تستطيع أن تتحاشى هذا الهذيان و سيغتالك الجنون
يجيبك صدى الجماجم و صوت أجراس الفراغ
سترقص على السلالم في مدينة من فقاعات
و كثير من انعكاسات الأوهام في فخ الخوف
تكويك كلمة لاجىء
لن تنجو بكرامتك
لكنك…
ترى الوطن لأول مرة
تعيد قراءة الماغوط
تتوضأ بقصائد محمود درويش
لن تنجو من متلازمة البكاء
سترسل كل يوم غيمة للديار
ستطوف روحك حول سقف بعيد
تقشر لحاء الأيام الباردة
ولن يقاسمك أحد عزلتك إلا غيمة عادت برائحة الغياب
و لن تكون أنت الذي كنت
و لست أنت الذي أنت الآن
لن تنجو
