مرآة الأسئلة/ بقلم: صوفيا الهدار( اليمن)

لماذا تعاملينني اليوم بعنف، لم تدعكيني بهذه القوة، كأنني صنبور مياه؟
لم تتحاشين النظر إليّ دائماً، ألستِ كباقي النساء، هل نسيتِ كيف تنظر المرأة للمرآة؟
آخ، إنك تؤلمينني، ماذا بكِ اليوم؟!
لقد اعتدت تجاهلك لي، اعتدت نظراتك الزجاجية التي توجهينها إلي، ولكني لم أعتد منكِ هذه القسوة.
هل تعرفين قصة هذا القلب المرسوم على وجهي، والذي تصرين على محوه؟
بالأمس كانت هنا فتاة مراهقة تتطلع في وجهي والحب يشع من عينيها، تحققت من زينتها، ثم أخرجت أحمر شفاه وراحت ترسم هذا القلب على وجهي، ثم فاجأتني أن بدأت ترسم سهما يخترق القلب، وعلى طرفيه رسمت هذين الحرفين، كدت أسمع دقات قلبها الجذلة حينها. هل تعلمين أنها باغتتني بقبلة أرسلتها لي في الهواء؟
آه توقفي، إنك تؤلمينني حقا…
توقفي لأجل العشرة! ستقولين لا عشرة بيننا، وأنك تؤدين عملا تتقاضين أجرا مقابله، عملا لا أدري إن كنت راضية عنه أو راضية به، ولكنني سعيدة بوجودك هنا كل صباح، ربما لا تعرفين كم أكن لكِ من مشاعر صادقة.
لماذا أنت صامتة هكذا؟
لماذا لا تعيرينني اهتماما، أتظنين أن تنظيفك لي كل يوم يعد اهتماما؟!
لا يا عزيزتي، أنا أحتاج منك الثقة، لطالما تمنيت صداقتك، تمنيت أن تضعي عينيك في عيني، وتبوحي لي كما تفعل الأخريات.
أتظنين بأني سأثرثر كالنساء، أو أنني سأفشي سرك لأي عابر سبيل.
لا يا عزيزتي، أنتِ لا تعلمين كم وجها قابلت، وكم سرا كتمت، كم وجوها تبدلت أمامي، وكم استعيدت وجوه، وبقيت أنا كما أنا لا أغير وجهي أبداً .
بالأمس مثلاً بكت إحداهن كثيراً أمامي، وأخرى بصقت على وجهي، ولكنني لم أخبر أحدا عن السبب، حتى أنتِ لن أخبرك. وكيف أخبركِ وأنتِ ترفضين حتى رؤيتي؟
أعرف أنكِ تحدقين فيّ كل يوم، ولكنني أدرك أنكِ لا ترينني، أنتِ ترين ظاهر وجهي، الذي تحرصين على تلميعه وتنظيفه لتراه أخريات غيرك، وربما لأراهن أنا أيضاً بوضوح.
لماذا تهربين مني، تتحاشين أن تتلاقى عيوننا؟ هل تعرفين أنني أتقن لغة العيون، وقراءة النظرات، لطالما رأيت نظرات فيها رهبة وخوف، نظرات خلفها حكايات انكسار، ونظرات فيها تحدٍ وثقة، وأخرى لا تخلو من استجداء.
أتظنين أنني سأكذب عليك لو سألتني، لو طلبت مشورتي، ربما لا تعلمين أنني لا أقول إلا الحقيقة، هل جربتِ أن تصادقي مرآة؟ لا أظن.
أما أنا فقد عرفت نساء كثيرات، تخففن أمامي من خجلهن، من كبريائهن، ومن أحمال أثقلت قلوبهن، صرخن، ضحكن، بكين، ترددن وحكين.
وحدك أنتِ التي لم أسبر غورها، لم أعرف حكايتها، وأكشف سر صمتها الدائم. عيناك تنظران ولا تريان، ونظراتك جامدة، تطلقينها نحوي بحياد، بلا حقد ولا حب.
عيناك مرايا من زجاج تعكس ما حولها، ولا تحكي ما بداخلها أبدا، حتى أنني أشك أحيانا أنكِ مرآة مثلي من زجاج ولست امرأة من لحم ودم.
لكنكِ اليوم مختلفة، حركاتك قاسية، نظراتك التي ترمينها للبعيد فيها شيء مختلف أريد التقاطه، ولكنكِ تصرين على التهرب والمراوغة كعادتك، لكنني أعرف أن اليوم ثمة شيئا مختلفا، ثورة أم استسلاما، لست أدري.
آه ما الذي أراه؟!!
ما هذه الجروح على معصميكِ، بعضها دامٍ، ولكن بعضها يبدو قديماً أيضاً، لمَ لم أرها من قبل، هل كنتِ تخفينها، أم أنني كنت أتجاهلها رغم أن هاتين اليدين كانتا تلتصقان بوجهي كل يوم!
هل انشغلت عنكِ بهوايتي المفضلة، بفضولي، بملاحقة العيون، هل كنتُ مشغولة بالتحدي، ومحاولة كسب الرهان في فض صرة أسرار عينيك؟
أوه إنكِ تنظرين إليّ، نعم إنك أخيراً تنظرين؟
لكن لم تنظرين إلي هكذا؟
أتعاتبينني، أم نفسك تعاتبين؟
هل أزعجكِ أنني رأيت معصميك الداميين؟ أن كشفت أحد أسرارك؟
هل أزعجتك نظراتي؟ أم تراكِ كنتِ تنتظرين أن أراها أو تريها منذ زمن طويل..
أعتذر، يبدو أنني كنت أنانية حقا.. أم تراكِ كنتِ أنتِ أجبن مما تظنين؟
هلا أخبرتني ماذا بكِ؟ ما هذه الجروح التي تطوق معصميك!
أتراني وقحة متطفلة، أو أنكِ سئمت وقررتِ الصراخ في وجه الصمت اللعين؟
أوف، لم تنزعين خمار رأسكِ؟!
ما هذه الرضوض الزرقاء على رقبتك؟
يا إلهي يداك ترتجفان، وشفتاك أيضا!
أكاد أشعر بألمك كلما مرت راحتاك على ندوب قلبك، أكاد أقرأ تمتمة الوجع على شفتيك، يا إلهي لم أتوقع يوماً أن أرى الدموع في عينيك.
كم أشعر بالبرد الآن، أنا أيضا أرتجف، أشعر بالخوف، ما الذي يجري؟ من فعل هذا؟
آه… صمتكِ يجرحني…
اصرخي بكل ما أوتيتِ من شجاعة، ومن ألم…
اضربيني… حطمي وجهي، صدقيني لن أعترض.
لكن أرجوك قولي من فعل هذا؟
آه…
انتظري.. انتظري!
لماذا تغادرين الآن؟
لماذا تتركينني أغرق وحدي في فوضى الأسئلة!

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!