معتقل روح / بقلم : روزالينا فؤاد

أن تَنعزِلْ عَنهم وتَبتَعد قَدرِ استطاعَتِكَ مُحاوِلاً النجاةَ مِن ألسِنَةِ لهيبِهم الكاوية ، أن تَجِدَ بالعُزلةِ ملجأً آمناً من سِياطِ ألسِنَتِهم التي لا تَكُفَ عن غَرسِ سكاكينها الحادة في أوصالِكَ ، أن تنأ بِنفسِكَ عن تفاهاتِهم بين جدران أربعة ، هذا شاق على رُوحِكَ المُتَلَهِفه للإجتماعِ مع غيرها ،مضنٍ لقلبٍ يَهفو لِلتآلُفِ مع البقية ، ولكنهم أجبروكَ على النأي عنهمْ وَهم الذينَ يُقالُ عنهمْ أهلٌ وخلان ، كم أنتَ تَعيس ، وحيد ، رُغمَ أنفُ إرادتِكَ فردٌ لا أنيسَ لك سِوى حَوائِطَ صماءٌ بكماءٌ عمياءٌ، وبعضِ اللوحاتِ المُلونةِ، وساعة على الجدار الأيمن لسريرِكَ تَطرقُ أجراسها في عروقِكَ مع كُلِ تكةٍ تشعُرُ أنهُ العدُ العكسي لاحتضارِ أنفاسِكَ البائسة .
تَغفو ، تَصحو، تصرخ ، تضحك ، تبكي ، إنكَ تسيرُ بِخُطى ثابتة نحو الجنون الأكيد ، يال سخافةِ القدرِ فيك ،و تعاسة قلبك ، يالسخريةِ الحظِ منك ، لا تحاول البحثَ عن روحٍ أليفة بينهم ، جميعهم ضِباع شَرِسة ، وأكثرهم ألفة سيكون ثعلباً ماكِراً والإناث منهم أفاعٍ سامة تلدغك دون أن تشعر ، وإن صدق الحدس هم كَكُتلٍ خَبيثة تَقتاتُ على خلايا جَسَدِكَ والأليفُ منهم أشبه بورمٍ حميد ، لا تعلم من يضمر لكَ الخيرَ ويصدُقُكَ الإبتسامة ، مِمن يَكُنُ لكَ الشرَ ويتصنع ابتسامة خبيثة ظاهِرِها رقيق وباطِنها حِقدٌ مُزمن ، مَهما حَاولتَ أن تستوعب أفعالهم وتَستطيبَ طٓباعِهم وتَكشِفَ نواياهم خبثها من طيبها لن تقدر ، مُكرهم أمكرُ مِما قد يستوحيه خيالُك البريء ، اعتزلتهم وما زال سُمِ قلوبِهم يحومُ حولك كذباب قذر يحوم حول قطعة حلوى مغطاة بغلافٍ شفاف ، يتحين البائع أن يرفع الغِطاء قليلا حتى يتسنى لهم فرصة الانقضاض على فريسة لذيذة .
ثم إنك لست على ما يُرام.
مايرام !
ماذا تعني ، وما الذي يجب أن يرام ؟
شاخت روحك قبل المشيخ، وهرمت قبل الهرم .
تشعرُ بالوحدةِ تستلِذُ بمذاقِ انطوائك، تنظر خارج زجاج نافذتك، تراهم مُجتمِعون مُتحلقين حولَ مائدةِ النميمة، فتصل إلى أسماعك حروف مُرتبة تشبهُ إسماً تعرِفهُ، رُبما كانت بترتيبٍ مُماثلٍ لا إسماً ينادونك به، فتعلم أنهم يأكلون لحمكَ الميت، جسدك الذي قتلوهُ تجبراً، فتضحك بِسُخرِية من نفسك أم منهم لا تدري المهم أنك تسخر مما آلت إليه الأمور.
ثم توليهم ظهرك وتم، شي بخطوات متثاقلة نحو سريرك اليتيم في زتزانتك الضيقة، فتقفز عنه بعد برهة من استلقاءك عليه، لتقول إن قلمي يُناديني، يَستدعيني لأُجالِسهُ واشتَكي له ، ثم ترخي قبضتُكَ عنه وتَطبُقَ رأسكَ على تِلكَ الأوراق مُغمِضَ العينين لتلطخَ وجهك بحبرٍ لم يُجف

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!