هل هذه بيروت(4)/ محمد عمربحاح( حضرموت – اليمن)

أول مرة أزور(الشوف )إحدى محافظات جبل لبنان الستة :نهرالدامور يشكل حدوده الشمالية ومجرى نهر( الاولي) حدوده الجنوبية ، ويمتد من شواطيء البحر المتوسط في الغرب ، صعودا نحو قمم جبل الباروك على ارتفاع الفي متر لتشكل حدوده الشرقية .
جبال لبنان المكسوة بالاخضرار ، تمتد وتمتد عاليا وكأنها تصعد إلى السماء او تلاحق حلماً هارباً ، ومعهاكنتُ( وعبيري) نصعد ،ونصغي إلى (علي سرائب )،الشاب الذي استقبلنا في مطار رفيق الحريري الدولي، اول وصولنا بيروت ، وهو يشرح لنا اسماء المناطق التي نمر بها ،بينما حواسنا كلها منجذبة إلى تلك الجبال الخرافية والجمال الإلهي ..
طبيعة خلابة: قصور تاريخية ، ومحمية للأرز الخالد ، واين سيجد المرء مكاناً اجمل من هذا لبناء قصر احلامه ؟!!
ذات منام :بنى (موسى المعماري )حلمه هناك !
وكنا ذاهبين لرؤيته!!
( 2)

في لبنان،تكتشف أن الحب يصنع المعجزات ،وكذلك الألم !!
وفي لبنان تكتشف ان الحلم يصبح حقيقة إذا أدمنت تعاطيه، وسعيت لتحقيقه ..
وإذا كانت عندك أم تدعو لطفلها : يارب حوّل التراب الذي يلمسه موسى إلى ذهب !
وإذا كنت تحب فتاة تسخر من حبك ومن فقرك وترى انك لست اهلا لها ، لأنها تملك قصرا وانت لاتملك شيئا !
موسى المعماري ، صنع معجزته الخاصة ، واثبت ان لاشيء مستحيلا !!
وكنا (وعبيري) ذاهبين لرؤية ذلك الحلم !
(3)

طلب معلمه من تلاميذ الصف ان يرسموا عصفوراً في في حضن شجرة !!
(موسى )بعكس كل التلاميذ رسم قلعة !
غضب معلمه ، وسأله بسخرية:
– ماهذا ياموسى ؟!
— هذا ماحلمته !
– هل هذا قصر ابيك ؟!
–بل قصري الذي سأبنيه.
زملاؤه إلا القليل سخروا منه، امامعلمه فقد عاقبه بالضرب بقضيب الرمان ، واجبره على الركوع ،لم يكتفِ بذلك. مزّق رسمه وطرده من المدرسة .
لملم موسى مُزّقَه ،ولم يعد إليها .
الضرب وسخرية زملائه ومدرسه لم يكن كل ما آلمه!!
الألم الأشد ،كان رفض (سيدة )،وذاك كان اسمها،وهي الغنية لحبه ، وهو الفقير( المعتر) !!
وكانت تسكن قصر ابيها الارستقراطي في طرطوس على الساحل السوري .
قالت له :
عندما يكون لديك قصر مثل قصر ابي تعال وتكلم معي عن الحب !
( 4)

موسى لم يضرب بعصاه البحر!!
موسى ضرب بيده الصخر !!
قَبِل التحدي وتابعَ تحقيق حلم حياته ..
ترك طرطوس إلى صيدا ،جنوب لبنان سيراً على الاقدام دون ان يشعر أحداً ، ولم يكن سوى فتى عمره 15عاما، والتحق بعمه( عيسى المعماري) الذي كان يرمم (قلعة صيدا البحرية ) وعمل معه في ترميم القصور والقلاع ، واكتسب منه الخبرة التي كان يحتاجها ، حتى انه اصبح إسماً مشهوراًفي مديرية الآثارحيث عمل في ترميم القطع الأثرية، واصبح المسؤول عن الإكتشافات في بلدية بيروت ،كما حصل على وظيفة في بنك لتحسين دخله .
إنتقل إلى جبل الشوف ، تزوج من (ماري عيد) إبنة قائمقام دير القمر، واشترى أرضاً مساحتها ( 3500) مترا من المبلغ الذي ادخره خلال عمله طوال 16 عاما لتحقيق حلمه .
ب( 15 الف ليرة) ، أيام كان لليرة اللبنانية قيمة شرع في بناء حلمه ، قلعته سنة 1963 ، بناها حجراً حجراً بمفرده ، ونقل حجارتها من محاجر جبل لبنان ،
استغرق منه بناء قصره ستين سنة:.21950 يوما ، 394200 ساعة وفقا لسيرته الذاتية !! وقد ا)أصابه نقل الحجارة الضخمة بنفسه من المقالع بمرض ترقُّق العظام ، كما تسبب عمله في تقصيب الحجارة في استطالة يده اليمنى سنتيمترين !!

بنى موسى قصره اوقلعته بين بيت الدين ودير القمر فوق ربوة عالية بنحو 6540 حجراًضخماً،حرص على نحتها بنفسه باشكال تظل علامة مميزة حتى جعل منها تحفة معمارية !!مبنى يشبه قصور الأمراء التي أُشتهر بها لبنان منذ القدم !! ومتحفاً يأتي إليه الناس من كل مكان في لبنان وخارجه .
وكنت (وعبيري) داخل الحلم!
( 5 )

في قلعة موسى تشعر بانك جزء منها ،
من الحلم ،ومن المكان ،من التحدي الرؤوس المطلة ، ليست مجرد تماثيل متحركة من الشمع:بل شخوص تروي حكايات عن قصة المبنى ، وحياة المجتمع الريفي اللبناني .
وكل تمثال يحاكي مهنة من مهن السكان في ريف لبنان وبلاد الشام . و(عبيري) تصور كل شيء وكاميرا الموبايل تتيح لها ممارسة متعة التصوير!! بسهولة..صورتْ حوالي عشرات المئات من الصور الف صورة لم نكن نعد!!
خلال رحلتنا هذه للبنان التي لم تستغرق اكثر من اسبوع ، بعكس رحلتنا الأولى إلى بيروت قبل اربع سنوات حيث التصوير ممنوع في مغارة “جعيتا” .. وفي محيط الفندق الذي عقد فيه المؤتمر الذي حضرناه . **
في قلعة موسى،
كان الحجر يتكلم
كم ان الإنسان قوي !
وعليك ان تصغي إلى الحجر ..
وتصغي إلى موسى .
موسى لم يضرب بعصاه البحر
موسى جعل الحجر
ينطق !!
( 6)

من أوائل من زارَ قلعة موسى التي ذاع صيتها ، كان الرئيس كميل شمعون الذي سهل حصوله على قرض من بنك التسليف الزراعي بقيمة 60 الف ليرة بفائدة ضئيلة لاكمال بناء حلمه / قلعته ، ومنحه الجنسية اللبنانية. وبمبلغ اخر قدرهُ: 10 ألف ليرة لبنانية قدمها له الزعيم اللبناني كمال جنبلاط واصل تحقيق حلمه الذي استغرق منه ستين عاما كاملة !!
طاف موسى المعماري انحاء لبنان ومدن العالم ليجمع محتويات قلعته التي بناها على طراز القرنين التاسع عشر واوائل العشرين ،وحولها إلى متحف يزوره اللبنانيون والسياح من انحاء العالم ..
تتكون القلعة من اربعة طوابق ، 30 غرفة ، تضم اكثر من 160تمثالا متحركا صنعها موسى بنفسه ، ومتحف للأسلحة الفريدة مكون من 16 ألف قطعة ، وقلادات ومقتنيات ثمينة .
.
( 7)

معلمه الذي سخر منه وضربه بقضيب الرمان لم يتح له ان يرى حلم تلميذه يتحقق إذ مات قبل ذلك ، فكفاه مهانة الدخول من ذلك الباب الصغير الذي صممه موسى خصيصاً ليرد الاهانة التي تعرض لها من معلمه عندما اجبره على الركوع .
وحبيبته الصغيرة ” سيدة ” التي رفضتْ حبه وسخَرتْ من فقره لم تستطع تحاشي ذلك المصير الذي نصبه لها موسى، ودخلت من الباب الصغير منحنية ، بعد 63 سنة ، ولعله شعر حينها بلذة الإنتصار !!
وكان في إستقبالها مع زوجته ماري التي آمنت بحلمه ووقفت معه حتى اصبح حقيقة !!
(8)

موسى لم يضرب بعصاه البحر ..
موسى ضرب بيده الصخر
وبنى القصر ..
من طين
وحجر ..
موسى مثل “الكيمائي'” حقق حلمه ..
وحول التراب
إلى تبر!!.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!