لــو / بقلم : الأديبة عنان رضا المحروس

فراشها دافئ .. وقلبها أكثر دفئاً ، بآمالٍ وأحلام جميلة وكأنها اللؤلؤ المكنون .

كنوزها السرية الذي تحتفظُ بهِ في خدرها بعيداً عن أعـين المتطفلين .

هذا الصباح هي كسولة ، لا ترغب أبداً في النهوضِ من سريرها الحبيب .. لا تريد أن تهجر لحافها ..

كيف لا !؟!

وهو يمنحها كل الأمن والأمان

الهدوء حولها يضفي ستاراً من الوقار والسكينة فتصلي روحها متأملة الكون وهو يعيش في سباتٍ نادرٍ

ومع أنّ نسمات الصباح الباردة سرقت اهتمامها برهةً ،إلا أنها كانت ممزوجة بحبٍ وسعادةٍ وعبقٍ من أمل مرتجى وأحلامٍ وردية بأن يكون عيد ميلادها هذا اليوم مميزاً ، مختلفاً عما سبقه من سنين ..

ولا يعكرُ صفو الهدوء إلا صوتُ حفيفِ أوراق الشجر المحيطةُ بالقصر وهي تتحرش بتوددٍ إلى أغصانها ..

ويزدادُ الحفيفُ بصوتٍ ناعمٍ مثل نفحةٍ جميلة تسعدها بشدة وتجردها من كل فكرةٍ عقيمةٍ أو كآبةٍ فجة.

تنصتُ أكثر .. لتسمع .. نعم .. إنها الطبيعة تغني لها :

 

” عيدك السابع عشر عيدٌ سعيد ”

 

سيمفونية نوتاتها لها .. ولها فقط !!

 

نهضت من الفراش .. تأملت الساعة بقلق ، لقد تأخرَ اليومَ صحوها على غير عادتها ..

تملك الحق .. وكل الحق ..

اليوم يومها .. ستقيد الأحزان في قلعة الوقت وستفرح .

نظرت لمرآتها وابتسمت ..

 

” حقاً .. أجمل الوجوه في الصباح ليست أبهاها خِلْقةً .. وإنما أكثرها ابتساماً ”

شعرها الأسود الطويل ،وعيونها اللامعة ..

انسجام مطلق .. طاقةٌ تضجُ بها الأوردة تستحق أن تكون أميرةً عن جدارة .

أميرةً بانتظارِ أميرها على فرس أبيض ..

اقتربت من نافذةِ غرفتها .. ما تزالُ مأخوذة بجمالِ القصرِ الذي تعيشُ به منذ بضع من الوقت ، بوابتهُ الضخمة حمايةٌ مؤكدة من الشرورِ والتشرد ، وسورهُ العالي وهو يحتضن الورود النادرة

” كقيدٍ ربما ” قد يقي من ظلم الأيام.

وها هو الحارس اللطيف ، الذي مرّ عليه ما مر من قسوة الزمن وذاق كثيراً من لوعة الفقر والحاجة قابعٌ هناك .

واقفاً شامخاً كما هو مُحملاً بالمحبةِ والطيبة .. رجلٌ عجوز لكنهُ قوي وحنون يعاملها كوالدٍ محب ..

 

فكرتْ بصمت .

 

لا شك سيحتفلون بمولدي ..

سيتذكرون ويحضرون لي الهدايا ، ستأتي الصديقات يرتدين ملابسهن الفاخرة ،

لنحتسي الشاي مع قطعٍ من قالبِ حلوى كبير صُنِعَ خصيصاً لي ..

وسنتحدث عن أشياء لا تليق إلا بصبانا الغض ..

سنضحك حتى البكاء ..

ولن يكسر نوبةَ الضحك إلا البحث عن أجمل هدايا أحضروها ،

 

سنتراكض كما حباتِ الثلج على جبين الأرض لتهدأ براكينها وتهيئ لنا أمسية لقاءٍ شتوية ، تبتلع فيها غضب الأعاصير وتصمتْ ثم تسجل في كتاب الدهر يوماً من ذكرياتٍ جميلة ..

 

.. فجأة ..

 

ضاعت ملامحُ بهجتها في لحظةٍ وأحرقتها جمرة الفرح المزعوم وفي زحمة الأحلام راودها السؤال :

ماذا لو عادت بها سنين العمر ؟!

ماذا لو قلبت صفحات الزمن إلى الوراء ؟!

هل كانت ستنحتُ ماضيها وتعيدُ صياغة ولادتها على مجرةٍ أخرى من جديد ..؟

هل كانت ستصنع سفينةً فضائية من أمنياتٍ مختلفة ..؟!

 

تُبحرُ عبرَ السمواتِ السبع بألوانِ طيفٍ لا يبهت بريقها

 

لــو .. ولــو .. ولــو ..

 

 

لمعَ في ذهنها فجأة صورةُ خيالِ والدتها المتوفاة تنبهها أن :

” لو تفتح عمل الشيطان يا صغيرتي .. فاحذري ”

 

بسرعة أصدرت أمراً لأفكارها بالصمت واستعاذت باللهِ من شيطانٍ رجيم .

 

وفي خضّم الأفكار والتمنيات ،

صوتُ رجلٍ في بهو القصر يضجُ بالغضب .. جعلها ترتعد خائفة فهي المعنية بلا شك بكل تلك الألقاب والصراخ الصادر منه ..

أين أنتِ يا ابنة ال …. ؟!

لماذا لم تستيقظي إلى الآن .. ؟!

كلبي المسكين لم يحصل على فطوره للآن ..

أين السوط ؟! سأعاقبها ..

 

يا ويلها من غضبي ..

 

قريباً منه .. جلست زوجته وهى تضم فروة بيضاء ثمينة على كتفيها .. طمعاً في دفء أكبر ..

 

ردت بلا اكتراث وبهدوء ..

 

نعم عاقبها .

 

يبدو أنها نائمة تحلم كالعادة ..

 

لا تهتم ..

 

سأبعث بأحد يوقظ الخادمة البلهاء لتطعم الكلب .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!