قراءة قصيرة  للشاعرة سليمى السرايري في قصة : «الأنثى خليفة فى الأرض» للكاتب كمال الدريدي

لا يخفى على القارئ تجليات الصورة السردية أو الشعرية حين نتناول نصّا مثل هذه القصّة ذات ايحاءات قرآنية بلاقح يُحاكي هتاف الخصب مشيرا الكاتب في سرديّته الجميلة إلى : البذرة- الأرض- الحرث
لسيما أن العنوان يحمل صفة الأنثى خليفة في الأرض ولعلّ الانثى هي الأرض نفسها التي تحمل في جوفها البذرة وتنمو وتثمر تماما كما المرأة التي تحمل من ماء الذكر وتلد وتتكاثر الحياة كما تتكاثر الأشجار المثمرة والجدباء والعاقر والمخضرّة….
فقد جعل الكاتب كمال الدريدي حوارا شيّقا بين الذكر والأنثى. هو لمْ يذكر في الحقيقة الرجل والمرأة بل جعل الضمائر مخفية مما يوحي لي أن الخطاب هنا له انزياحات وجدانية فتتجلى حواريته بنواحٍ تمظهر خطى النص، المكون لإفراز القيمة المحتفظة بجماليتها بأحسن وألطف وليس هناك ألطف وأجمل من الحوار الوجداني سوى بين الرجل والمرأة أو بين الأطياف التي يخلقها الكاتب ويضع لها نقاطا وفواصلَ ويصنع لها أبواباً وبيوتاً ونوافذَ
وقد ذكر السيّد كمال الدريدي كلمة :
المنزل – البيت – وهي كلمات مهمّة جدا من الناحية الوجدانية فهي الحفظ، الانتماء، الاحتواء، الستر..
والبذرة التي تحتويها الأرض (الذكر والأنثى) هي التي جعلتنا نتابع السردية التي أضاف لها الكاتب كثيرا من نفسه ومشاعره وتكوينه الديني إذ وظّف هذا الجانب وركّز عليه كثيرا
النص يحتاج إلى محلّلٍ عميقٍ ليقف على ايحاءاته وخوالجه وانتمائه وقد كنتُ هنا لأكتب بعفوية شاعرة،
ما لامسني وتلك الأطياف الرقيقة المندلقة إلى صمتي والتي حملتني معها إلى السماء البعيدة

سليمى السرايري
———————————()————————

 

«الأنثى خليفة فى الأرض»

 

«الأنثى خليفة فى الأرض»

 

كان خارجا كالعادة بعد صلاة الصبح من المسجد
وقد أدّى فريضة الصلاة.
اعترضته والجنين فى أحضانها قائلة:
– «
واذا الموؤودة سئلت»
قال : « بأى ذنب قتلت»
قالت: ..«ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق»
قال:« نحن نرزقهم وإيّاكم»
قالت: قتلتموهم
قذفتم البذرة فى الحرث ونسيتم أن تتعهدوه
خذ الرضيعة إنّها ابنتك
قال : لكنى لا أعرفك ولا أتذكّر إنّني يوما التقيتك.
قالت ألستَ رجلا ؟؟
قال: نعم…..
بصوت الرجل الشرقى فمزق صوته سكون الفجر الهادئ
قالت: اذا قد فعلتها ونسيت..
قال: غير معقول هذا افتراء
قالت: هل بتّ يوما جائعا؟
قال: لا من فضل الله
قالت :هل أخرجك صاحب المنزل لأنّك لم تسدد معلوم الإيجار؟؟
قال: لا البيت ملكي والحمد الله..وحالي ميسور
قالت: أنا جارتك هل عرفتني ؟؟
قال: لا
قالت: طبعا فأنت تغض بصرك بالخطأ
ولا تطلقه ليرى عورات الناس ومحاسنهم
أمّا أنا، لا أغض بصري فأنا أطلقه لأستمتع..ثم أفهمْ
أنى أراقبك صباحا مساءا..فى غدوك ورواحك
حتى إذا نزلتَ من السيارة وتقدمتَ بخطوة واثقة نحو البيت تسارعتْ دقات قلبي، حتى يكاد يخرج من قفصه الذى سُجنَ فيه
لكنك لا تهتم وبيدك مفاتيحَ السيارة ومفاتيحَ سعادتي.
تدخل وتغلق على جميعهم الباب..”السيارة وقلبي
كنت أتخيل أنك زوجي حين أصعد ليلا إلى السماء
هناك في تلك الزرقة الغريبة، حملت منك
بينما كنت تنام فى فراشك في فوضى منعشة وروحك بجانبى..(مشيرةً بأصابعها إلى فوق..)

قال : وكيف؟؟
مستحيل أن تحملي منى دون أن ألمسك!!
قالت:
إنّ الأرواح تتلتقي فى العالم العلوي
حيث الصفاء والنقاء
ولقد قابلتك هناك–كما حدثتك
صمتتْ قليلا ثمّ أضافتْ وكأنّها تخاطب نفسها:
لا عليك عندما تفيق من غفلتك ستتذكر
ثم سألته هل صليت؟
قال : نعم
قالت: إنك لم تصلِّ بل أدّيت الفريضة وخرجتَ
كان ينظر إليها ويتمعّن بها في ذهولٍ وحيرة.
ثم أردفتْ:
خذ البذرة وراعها فلا يهم من صاحب الأرض المهم من يرعاها ويصلحها
طأطأ رأسه وأخذ البذرة
وعاد بها إلى البيت

الكاتب كمال الدريدي

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!