مدافن (الدولمن) – المهندس قاسم الحوشان عياش

خاص: صحيفة آفاق حرة
____________________

أصدقائي الاعزاء
من خلال جولاتي الميدانية كمهندس زراعي في كل قرى حوران .
بحكم عملي الوظيفي .
وبحكم مهنتي كنحال منذ اكثر من اربعين سنه ترتب التنقل بمنحلي عبر كل اراضي حوران والسويداء حيث لفت انتباهي هذه النصب الصخريه ذات الجوانب الحجريه القائمه ومن ثلاث جهات ومغطاه بكتلةٍ صخرةٍ ضخمه تتفاوت مساحتها حسب حجم من كان او من كانوا بداخلها رقيقه لاتزيد سماكتها عن 10-15 سم حيرتني هذه النصب ولم اجد الجواب الشافي عليها في موقع غرب بلدة تسيل وعلى الكتل الصخريه البازلتيه يوجد الكثير منها وكذلك في محمية الاسد القريبه من ذلك الوادي وهي تغطي معظم المنطقه الغربيه من درعا في نوى وتل الجابيه وفي معظم المرتفعات الصخريه باتجاه عين ذكر ولاحظت القليل منها في درعا بالقرب من موقع الميسري
أصدقائي :
زاد استغرابي وجود هذه النصب ومن خلال لجوئي الى الاردن حيث كنت اقطن لمدة سنتين ونصف في قرية جمحا غربي اربد ان هذه النصب الاثريه موجودة هناك وبكثره وعلى اغلب المرتفعات وعلى ضفاف الاوديه ويسميها البعض مراصد ظناً منهم انها نقاط مراقبه قديمه
وهي كما عندنا في سوريا مع اختلاف نوع الصخور فهي هنا مبنيةٌ من صخور الصواّن الثقيل والقاسي
وهي ممتده على مساحة قرى غرب اربد كاملةً وقد تصل الى عجلون وهي امتداد لمالدينا في سوريا وبنفس الخط شمال جنوب من منطقة الجيدور بحوران الى قرى غرب اربد وكلما اتجهنا نحو الشرق قلَّتْ او انعدمت سواءً هنا ام في بلدنا سوريا فهي حسب مشاهداتي
لم ارَ مثلها في مواقع كثيرة زرتها اثناء التنقل بمنحلي في الوسط وفي الشرق فهي حصرياً في المنطقه الغربيه .
قد يكون الجواب الشافي على هذه التساؤلات مايلي :
“الدولمن” … “مدافن” أساطير و روايات حولها
كلمة (دولمن) DOLMEN”” تعني بالإنكليزية منضدة الحجر، وقد يكون ذلك إشارةً إلى العشاء الأخير للراحل الذي يتم تحضيره فوقها. لكن الدولمن هي:
المدافن المقدسة التي تشير كذلك لبدايات فن العمارة البشرية، وسميت كذلك “مانهير” “MENHIRS” إشارةً للمسلات و”مغليت” وتعني النصب الحجرية. و”كروملخ” “CROMLECHS” وهي الساحات المبنية من الحجر الخام.
«تم تسجيل قرابة خمسة آلاف دولمن في العالم حتى الآن، دارت حولها الكثير من الأساطير والروايات الغريبة التي تداولتها الشعوب وقد يكون شكلها الفريد وأحجامها الهائلة هما السبب في ذلك. لدرجة التفكير بأن حجارتها هبطت من السماء أو أن كائنات ربانية تفوق طاقتها إمكانيات الجنس البشري جاءت من كواكب أخرى، فأشادتها وذهبت لمستقرها البعيد. لكن ثبت مع العلم الحديث أن الإنسان هو بالتأكيد من بنى هذه العمارات المتقنة والمبكرة تاريخياً معبراً عن معتقداته، مؤكداً نضجه الفكري والحضاري».

***

ومن أشهر مواقعها في العالم شبه جزيرة بريتانيا غرب فرنسا، والتي تجذب أراضيها وأحراجها الكثير من الزوار كل عام للتمتع بجمالها وللتعرف أيضاً على تراث ثقافي غني جداً. وتعتبر من أجمل الآثار العائدة للفترة الممتدة بين عامي 4500-2000 قبل الميلاد، وتبدو كأنها تشير لموقع الشمس طوال العام.
دولمن بيشيليه في مدينة بيشيليه في الجنوب الإيطالي على شاطئ البحر الأدرياتيكي/ 34 كيلومتراً شمال مدينة باري/. يلاحظ فيها أخدود في الأرض طوله بضعة أمتار ينتصب على آخر طرف له قائمان وعارضة من الحجر العريض غير المستوي. إضافةً لوجود الكثير من نماذجها في [غربي حوران بسوريا والأردن ولبنان والجزائر والبعض ذكر انه شاهدها في منطقة الحبل الاخضر بليبيا وكذلك في ايران ] « من خلال الجولات والحملات الاستكشافية التي طالت العديد من المواقع الأثرية،استطاعت هذه الفرق من تحديد واكتشاف مدافن الدولمن وهذه هي الاشارة الأولى لها. في موقع “الميسري” الواقع جنوب شرق مدينة درعا بحوالي أربعة كيلومترات، وعند جرف صخري عال يواجه الشرق بنيت عدة قبور من طراز “الدولمن”، وسقفت ببلاطات حجرية ضخمة للغاية. وما يميزها موقعها الجميل قرب نبع ماء “الميسري” ووجود رسومات حيوانية عليه وانتشار كثيف للأدوات الحجرية والصوانية، و”الميسري” بحق من أهم المواقع السورية العائدة للعصر الحجري الحديث 7000- 4500 سنة قبل الميلاد.
المنطقة الثانية تقع إلى شمال غرب مدينة “انخل” بحوالي أربعة كيلومترات بالقرب من “خربة الطيرة”. حيث لوحظ قبرين متلاصقين من طراز “الدولمن” يشتركان بالضلع الأوسط، اتجاههما شمال جنوب على تبة بازلتية مغطاة بالتراب ترتفع حوالي 2 م عن مستوى الأرض العادية، وقد تعرضت للتخريب والحفر السري بحثاً عن الكنوز.
المنطقة الثالثة تقوم شمال غرب مدينة “نوى” بحوالي 5 كم، خلف تل الجابية بالقرب من الرصيف الروماني ولوحظ قبل فترة وجود صبات بازلتية صغيرة الحجم مع توضع بلاطات حجرية من طراز “الدولمن”. نجمت عن أعمال تجريف عنيفة خضعت لها المنطقة جراء أعمال الاستصلاح والتطوير الزراعي.
“دولمن عين ذكر”: عبر الطريق الروماني في الجهة الشمالية باتجاه جسر الرقاد يتوضع حقل كبير من المدافن النيوليتية. شمال شرق “عين ذكر” بنصف ميل يوجد نبع صغير من شمال الطريق محاطاً بمنطقة حجرية وعلى مسافة 200 متر يقوم حقل آخر. وتصبح “خربة سيدي” أعلى الجرف الشرقي وربما احتوت على الدولمن، طريقة الدفن :
يمدد الجسم بشكل مواجه للشمس من الشرق مع ارتفاعها للغرب، كما هو مثبت بواسطة اتجاه المحور الرئيسي وهي معدة لتستوعب جثتين كل منها على خط، هذا إن لم نأخذ بفرضية وجود عماليق بتلك الفترة.
إن السيد غي لي سترينج لاحظ وبعد أن قام الباحث “شوماخر” باستكشاف هذه المدافن وجود فتحة صغيرة مستديرة ومثقوبة من البلاطة الشرقية بحدود 2 قدم. وهي بذلك مشابهة للمدافن التي تم اكتشافها في بعض المناطق العالمية لكن لم يجزم بوجود مثيلات “سورية” لها.
ويشير “شوماخر” إلى أنه أحصى أكثر من 160 مدفن “دولمن”، وأن أغلب تلك المدافن كانت قد فتحت قبل العام 1884 من قبل السكان المحليين، أثناء بحثهم عن الكنوز والدفائن لكنهم بالطبع لم يجدوا شيئاً وتم ملاحظة عظام حيوانية داخل بعضها. إن تشكل الروابي الصخرية كما يتفق “شوماخر” والدكتور “نويتليك” كان بسبب سيل بركاني اصطدم ببعض العوائق واندفع للخارج فتسبب في رفع هذه الروابي الى مستوياتها الراهنة.
ويوجد نموذجان لتلك المدافن و منها :
الأول عبارة عن دوائر تحيط بمحور مركزي مؤلف من كتل حجرية غير منحوتة وليس لها أي مغزى ديني.
أما النوع الثاني فهو دوائر لا تحيط بأية دعامة أو محور وغالباً ما يكون لها تفسير ديني، وفي الغالب فإن المحور هو قاعدة لحمل السقف الخشبي من الأغصان والأعمدة الخشبية، ولم يعثر على أية نماذج لسقوف حجرية.
وهناك نوع من القبور الموجودة على حافة الهضبة جوانبها مبنية بحجارة فوق بعضها وأنواع أخرى منها محفورة في الأرض وهي نادرة، وتأتي وفق عدة أشكال مربعة ومستطيلة وشبه منحرفة
قريباً الجزء الثالث ( مقابر الدولمن في الجولان المحتل)
***

دولمن (Dolmen) كلمة مأخوذة من اللغة البريتانية القديمة ومؤلفة من قسمين (Dol) وتعني طاولة، و(Men) وتعني حجر وبالفعل فإن شكل الدولمن أشبه ما يكون بطاولة مربعة أو مستطيلة الشكل فوق مصطبة حجرية دائرية.
وحول قبور الدولمن في “الجولان” موقع eQunaytra التقى السيدة “هناء قويدر” معاونة مدير دائرة الآثار “بالقنيطرة” فقالت: «تنتشر في “الجولان” الكثير من قبور الدولمن من شماله إلى جنوبه والتي تؤرخ إلى عصر البرونز القديم، وتعد شواهد حية على جوانب من معتقدات إنسان الجولان القديم في العصور القديمة، والدولمن عبارة عن قبور دائرية الشكل لها طراز معماري خاص تبنى فوق مصطبتين إحداهما فوق الأخرى من حجر البازلت المنتشر بكثرة في “الجولان” حيث يشكل مادة البناء الأساسية للدولمن ولسائر ضروب المباني الأخرى، وتبنى فوق المصطبة صف من البلاطات البازلتية ويتراوح ارتفاعها حوالي /95/ سم وسماكتها حوالي /30/ سم تغطي غرفة بطول /160- 210/ سم بشكل مربع غير متوازي يتجه محور البناء من الشرق إلى الغرب وتغلق النهاية الشرقية والغربية ببلاطة، وغالباً بلاطتان تفيان بالغرض على طول الجوانب».
وتابعت “قويدر” حديثها في نفس السياق فقالت: «وللدولمن نماذج عديدة إلا أنها تشترك ببعض النقاط فجميع الدولمن تبنى على مصاطب دائرية ترتفع قليلاً فوق سطح الأرض وتشكل معظم الدولمن /6/ بلاطات واثنتان تغطيانه والاتجاه الغربي للدولمن أوسع من الجانب الشرقي، والاتجاه الأساسي لجميع الدولمن من الشرق إلى الغرب حيث يتميز الجانب الغربي للدولمن غالباً بحواف على زوايا بلاط السقف وتتراوح أطوال الدولمن بشكل عام /160 – 210/ سم ومن المعتقد أن الجسد يسجى في الدولمن بشكل يواجه الشمس والرأس في الغرب ويبرهن على ذلك من خلال المحور الرئيسي شرق غرب وبحسب بناء هذه القبور يظن البعض أنهم كانوا أكثر ضخامة في تلك الأيام».

الأستاذ “تيسير خلف” الباحث في تاريخ “الجولان” يقول عن قبور الدولمن*: «تم التعرف على آلاف الأضرحة والمدافن في أراضي “الجولان” وعلى الأقل هناك سبعة نماذج متميزة من الأضرحة قد تم اكتشافها، ويبلغ حجم الأضرحة السطحية الصغيرة نحو مترين وتتزايد تدريجياً بحيث تشكل غرفاً ضخمة عرفت باسم “غرف التخزين” وهناك إجماع بين العلماء على أن الكمية الأكبر من الأضرحة يمكن أن تعود إلى العصر البرونزي الأول في الفترة /3150 – 3000/ ق.م».
* كتاب المرجع في الجولان – مركز الشرق للدراسات – مجموعة من الباحثين السوريين بإشراف الأستاذ “تيسير خلف” – الصفحة (438).
منقول بتصرف
______________
درعا – سوريا

عن هشام شمسان

هشام سعيد شمسان أديب وكاتب يمني مهتم بالنقد الثقافي والأدبي ، ويكتب القصة القصيرة والشعر . له عددمن المؤلفات النقدية والسردية والشعرية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!