نازعت الحلم سلطته / بقلم : إسماعيل هموني / المغرب

هو الحلم نفسه الذي كنت أدعوه إلى تناول وجبة الليل الماطرة ؛ يعود وقد تلبس من

 

الروح كل منافذها ؛ لا يرحل إلا بعد أن يكون قد تحكم في كل أوصال الطريق

 

الموصلة إلى حدائق الذاكرة .

 

هناك يقيم ليلة كاملة .كان يمشي معي ؛ يحادث بعض هواجسي ؛ ويفرج عن بعض

 

مخططاته المستقبلية . لا يريدني أن أطلع على كل التفاصيل ؛ولم يحرمني من

 

إبداء رأيي في كثير من اليقينيات . كان يضحك حين يراني أوغل في التحليل ؛ أو

 

أضع محاذير في قراءة المجهول . كأنه كان على علم مسبق بما أفكر . أو هو من

 

يدفعني على التفكير بطريقته .كي يربك كل حساباتي ؛ ويخفف من غلواء تربصي

 

بعالم الأحلام .

 

اكتشفت مؤخرا؛ وبطريقة مشكوك في علميتها ؛ أني كنت أمشي مع حلم متعدد

 

الأوجه ؛ وفي كل وجه مرآة لي .مرة تكون مجلوة حد الوضوح السرمدي ؛ ومرات

 

لا أراني فيها سوى ومضة من أرمدة باهتة اختلط فيها الحابل بالنابل ؛ وكادت كل

 

الأوجه فيها تسقط من شدة الجوع الذي يحاصرها . هنا أدركت ؛ إن كنت قد

 

أدركت ؛ أن المخاتلة ليست دوما شريرة و مذمومة ؛ بل هي ؛ في عالم اللايقين؛

 

حافزعلى الظهور بمظهر البينات و الآيات الكبرى؛ وأن المصالحة بين المخالطة ؛

 

حين تكون أمشاجا من بقايا العبور ؛ وبين المخاتلة ؛ وهي خيط من نور ظل حبيس

 

سطوة الليل ؛ هي خير دليل على أن الحلم مازال باق في الليل و النهار؛ وأنه لن

 

يضيع له نسل مادام يصب في بحره كل ضياع وعلى متنه يحمل إلى التسوق كل

 

متاع .كأن الدنيا أصلا قدت من خيال؛ أو وجدت على مقربة من بائع لسلال

 

النعناع .

 

ليس الحلم هو من يأتي من دائرة منفردة أو يغيب في فورة ثورة بائدة

 

ولكنه ؛ كما هو حالي أنا ؛ ماهر في ثفب أراجيح الهروب ؛ و حاذق في محاصرة

 

النفاذ إلى القلوب . أراه يهنأ بسعادة غامرة كأنه عاد لتوه من نصر مؤزر .

 

محمولا على الأكتاف وبين الأكف بزهو السلاطين .

 

ولم أره ؛ مرة واحدة ؛ في حالة وجع . دوما يبني حاله من حالي ؛وينشد السلامة

 

في الحال والمآل . يشير إلي ؛ في غالب الأحيان ؛ بطرف خفي ؛ ويحثني على

 

المثابرة من الدنو منه كلما برقت بيننا سانحة .

 

لم أكن أعلم أنه كان يواطيء بيني وبينه لنكون وجهين لعملة واحدة . وجه يصرفه

 

في الليل ؛ وتعمر أسواقه بكل المتاهات ؛ و الدليل هو الحلم . ووجه يعتلى مراكبه

 

في النهار ؛ وبحاره لا تكف عن الصخب والعطايا . وأنا عكازة السير .

 

لم أقبل اللعبة بيننا إلا أنه أقنعني ؛ من غيرإغضاب؛ بالتجريب و التوكل على الثقة

 

بيننا .

 

هو دائما سريع النفوذ ؛ قوي الحدس ؛ إلا أنني ؛هذه المرة ؛ سأجرب المخاتلة

 

وحدها كأنه يعلم مايدور في خلدي ؛ فترك لي حرية المعارضة . وضحك ؛

 

في أعماقه ؛ قابضا على غفلتي ؛ وسوء نيتي .

 

هذه المرة ؛ نازعت الحلم سلطته . ونكلت بيقينه ؛ وعدت أدراجي لأجده متكئا على

 

وسائد العيش ؛ لا ينازعه سوى حلم يأتيه من الليل و النهار .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!