وظلم ذوي القربى – المهندس قاسم الحوشان عياش

خاص صحيفة آفاق حرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سما الخيالُ بأحداثٍ بعد ان حسبته اصبح َخيالاً كسيحاً .
فقصةُ طفولة كاتبنا المبدعْ محمد فتحي المقداد (اليويو ) اثارتْ فيَّ شجونُ العودةِ الى جذورِ الذاكرهْ .
قلَّبتُ جذورها فوجدتها تخفي حكايات مبعثره وملونه عن عاداتنا منها الناصع ومنها الرمادي ومنها الأسود الحالك ورحم الله امرءٍ عرف أخطاءه فابتعد عنها ورحم الله امرءٍ عرف قدر نفسه .
أصدقائي :
تتهلل اساريري دائماً لهذه السيده الجاره لنا والصديقه لوالدتي رحمهما الله تجاعيد السنين ترسم على وجهها خريطة العالم القديم مرسومةً بحبر اصيل لامجال لتنظيفه بكل انواع المنظفات قديمها وحديثها .
رغم حداثة سني كنت أبتسم لها ووجهي حزين عليها لاأدري لماذا هكذا كان احساسي ألأنها غريبةٌ سكنت جوارنا ام ان تجاعيد السنين ارتسمت على وجهها ووراء كل تجعيدةٍ مجموعة حكايات ، شُدِدتُّ اليها كما هو انشدادي لحكايات عجائز حيينا !
لم اكن ادقق كثيراً في تلك الجاعيد
لحرصي على عدم احراجها .
لكنني كنت اقول في نفسي انها دمعاتٌ ماضيه خجل منا الماضي
وتركها ملامح تزينُ وجهها فيقرأ المستقبل تفاصيل وخفايا كل خط وكل ندبه من تاريخِ ندوبها .كان خجلي يمنعني من التحدث اليها سألت والدتي رحمها الله :
لمَ كلُّ هذه التجاعيد على وجه صديقتك ياأمي فلم تكذِّبْ خبراً ولم تنسَ سؤالي وبحضوري سمعت صدى سؤالي موجهاً اليها فتنهدت ؟
وابتعدت عن الاجابه لتحدثني حديثاً مثلُ أحاديثِ جاراتنا الأخريات اللواتي من عمرها عن الشاطر حسن وعن الغوله وبعض مغامراتهن لكن حكايتها اليوم كانت مختلفه .
كانَ بوحها يلفهُ الحزنً كنت مشدوداً الى حكايتها وانا مصغٍ كلَّ الاصغاء لكي لايقع حرفٌ واحد خارج صيوان أذنيْ حكايها :
كانت نساء بصرى في رحلةٍ لجنيْ العكوب في اراضي السويداء والمشهورة بهذه النبته والمرغوبه كثيراً كوجبةٍ فاخره في جنوبنا السوري وفي حوران خاصهْ .
تعمقت الجَنَّاياتْ في اراضي السويداء فاقتربن من احد أكوام الحجاره البازلتيه فصرخن مرتعبات ياألله انه صوت انين صوت انسان يصارع الموت يئنُّ تحت الركام فشَجَّعتْ احداهمنَّ الاخريات وكشفن كومة الحجاره فاذا بها امرأهً غابت ملامح وجهها من الدماء في جيدها صليب ذهبي غرق بدمائها ليعيد لذاكرتنا تاريخ الصلب ، فحملنها لاقرب طريق واسعفنها وتعافت وعاشت وتبين ان ابناء عمومتها ذبحوها في جريمة شرف لم ترتكبها قتلوها لأنها رفضت احدهم وزوجت نفسها قانونياً زوجها القاضي لمن احبَّتْ لكنها كانت واختها يتيمتين ووريثتين وحيدتين لأملاكٍ كثيرةٍ فتزوجوا اختها ورفضت هي الخضوع لرغبتهم في الزواج من أحدهم .
ولجأت الى قرية الجيزه في شرقي درعا بعد ان تعافت تماماً وأسلمتْ وتزوجت ثانيةً وانجبتْ ولداً وارتحلتْ مع ابنها وزوجها في احد سني القحط في حوران الى فلسطين طلباً للعمل .
وهناك تزوج عليها زوجها كعادة اهل فلسطين مثنى ، وثلاث ، ورباع ، كابدتْ شظفَ العيشِ والقهر وابنها من زوجها وضرَّتها وعادت أدراجها الى حوران .
لتحط رحالها بجوار بيتكم وتصبح صديقةً لوالدتك .
وهذه الخطوط ياولدي ليست تجاعيداً انها اثر الحراب والخناجر في وجهي التي تركها ابناء عمومتي لاحباً بي رغم بهاء طلعتي ولكنها حباً بإرثي الشرعيْ من والدي .
يابشريه هل وصلت بنا القسوة وحب السيطره والتملك الى قتل النفس التي حرمها الله بغير الحق .

***

هذه الأيام الكل يرفع الأيدي بالدعاء لرفع الظلم ، ولكن الكل ظالم ، ومستبد كل في دائرته فلن يستجاب دعاء ، وستغرق الدنيا في المظالم أكثر مما هي غرقى ، فالظلم لا يعرف ديناً ، ولا رباً ، ومن يظلم فهو مغتصب للحقوق ماديةً كانت او نفسيه وينبغي التصدي له .
فقد يدوم المُلْكُ على الكفرْ ولكنهُ لا يدومُ على الظلمْ .
قال علي بن ابي طالب كرم الله وجهه :
في قصيدته “أما والله إنَّ الظُلم شؤمُ”
أما والله إنَّ الظُلم شؤمُ
وَلاَ زَالَ المُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ
إِلَى الدَّيَّانِ يَوْمَ الدِّيْنِ نَمْضِي
وعند الله تجتمعُ الخصومُ
اصدقائي :
إنّ الأيام دول، فهي لا تدوم على حال، ولا تدوم لإنسان، ويجب أن يعلم الظالم بأنّ كل شرّ يفعله ، وكلّ خير يمنعه سوف يُردّ عليه يوماً ما، فلو أدرك المُسيءُ طبيعة الحياة لما قدّم إلا خيراً ينفعه
. اصدقائي :
عادت ادراجها وابنها الحدث والذي يكبرني بعامين او ثلاثه عادت لتتم حلقات بؤسها تزوجت للمرة الثالثه من رجل من جيراننا كان بينه وبين اللؤم مصاهره كانت رؤية الموت الزآم عليه ارحم من رؤية ولدها وكان بينه وبين حديث رسولنا الكريم عن كافل اليتيم بعداً كما هي بعد مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيوتنا .
ولم ترد بقاموس حياته :
وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}
كبر ابنها وعمل وتزوج وانجب ،وازاح عن كاهلها عبئاً ثقيلاً .
وعادت حلقات بؤسها ثانيةً لقد تزوج زوجها عليها وجلبت زوجته في حقائب عرسها طفلين صغيرين من زوجها الذي قبله ازداد البؤس بؤساً ولم تعد لديها الطاقه لشرح تفاصيل المها وحملها قلبها المتهالك وافكارها المشتتة الى نبش الماضي وكان المحرك ذاك الجرح كان للتسامح صمتٌ وغيبه وآهاةٌ تخرجُ عنوةً بين ركام الذكريات وتحتها جمر الظلم واغتصاب الحقوق وسواد البؤس وغمام الصبر على القلَّةِ والقهر .
فقررت البحث في ركام الذكريات فتصطدم بجدران الخيبة مراتٍ ومراّت ثم تسعى في ظلمات ذاكرتها لعلها تجد شعاع نورٍ تهتدي به لضالتها .
فتغيب في غياهبها الى ان صادفت ايقونةً بين خفايا ذاكرتها بين خفايا السنين وجدت بريق امل فتحت عيناها فاذا برأس الحقيقة يطل عليها ويقول هاأنا ذا انهم في دمشق وفي حي الطبالة بالتحديد سأجدهم واسترد حقي المسلوب .
مسكينةٌ امضت ليلتها تحلم بعناق ذاك الحي ، انطلقت تلفها اشعة الشمس وهي تتساءل :
لماذا !؟
لماذا مباحٌ لهم الارتواء وماء الجدول من نبع أرضي وتلك البحيرة كانت لجدي وقد شيَّدَ سورها ابي وجدي فمن انت حتى تصادر حقي ومن اين جئت لتزرع ارضي .
انطلقت تلفها اشعة الشمس
حالمةً بطيب المقام رغم بعد المقصد ولا تدري انها ذاهبةٌ من الموت الى الموت ولم تسعفها النبوآت بتاريخ حقد ولا بذرفة عين .
ناجتها شمس السفر مسكينةٌ انت امضيت ليلتك تحلمين من اين لك هذا الهذيان فانك لن تريني بعد الآن .
دعيني ياشمس
وغداً سترين ان نبوآتك اخطأت طريقها .
ألقت الحافلة حمولتها امام بيت ابن ابن عمها وكان وكان من جملة الوارثين وهو موظفٌ في سلك الشرطه !
دخلتْ فوجدت ابنة الحادي عشر اين ابوك ؟
في الشغل حسناً سأنتظره
ومدت سجادةً كانت ملقاةً على اريكه صالونهم وقالت :
سؤصلي الظهر حتى يعود .
وهي في صلاتها في التحيات
وما ان شعَّ بصيص أملها معتقدةً انه أشرق
من حقها المسلوب ماأشرق .
دخل عائداً من عمله
اندفع نحوها بحنون رفع رأسها بصمت ويمم وجهها نحوه وشخطها من الوريد الى الوريد
وظلَّ يرقبها حتى غابت .
مردداً كنصف مجنون بأعلى صوته :
هذه الارض لي لن اسمح لأحد أن يطأها ولا حتى يكحل عينيه برؤيتها سألف حولها حبال تخنق من يدخلها
لقد بذلت غمام صبرها دماً نبَضَهُ وتينها
لقد كان صمتها صلاةً
والتماهي في الأبدي عودةً
وكانت تظن ان الرقص على وتر الحق ولادةً .
سبقها القدر قبل تحقيق مرادها
وعادت والبداية منتهاها
وفرَّت من الموتِ الى الموتْ
بعد عشرة ايام وصلت رفاتها
ودفنت في لحد بمقبرة ام الخوالد القريبة من بيوتنا .
لقد ذُبحتْ مرتين مرةً في عنفوان شبابها
ومرةً عند مشيبها .
ونتذكر عند المرور بقبرها ان التراب يحجب عنا .
مأساة إمرأةً مأساة أمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
درعا – سوريا

عن هشام شمسان

هشام سعيد شمسان أديب وكاتب يمني مهتم بالنقد الثقافي والأدبي ، ويكتب القصة القصيرة والشعر . له عددمن المؤلفات النقدية والسردية والشعرية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!