عندما عطست أم رامي/ بقلم :وداد معروف

بلغت الإصابات بفيروس كورونا حتى الآن ألف حالة، شفي منها ستمائة، ومازال في الحجر الصحي منها مائتان وخمسون، بينما بلغت الوفيات خمسين مواطنا،
كفي يا شيرين، أغلقي التليفزيون تعبت، لاحظي أني خارج الآن لعملي في السنترال، وحتى أصل إليه سأنحشر وسط ركاب الله أعلم بحالهم، بعدها سأجلس على مكتبي وستفد عليَّ أمة لا إله إلا الله، هذا يريد توصيل الخدمة وذلك يشتكي من الخدمة، وتلك تريد زيادة السرعة،

شيرين: لازم أعرف كل شيء عن الفيروس، التوعية هامة لنا لنحتاط، إيطاليا أهملت فخرج الفيروس عن السيطرة ويحصد الآن الآلاف هامة … هامة،
ألم تكفك مقاطع الفيديو على كل التطبيقات،
خذي راحتك أنا نازل لعملي
لبس قفازيه ووضع الكمامة على وجهه، وحمل في يده زجاجة المطهر، ناولته شيرين ورقة بطلبات البيت ليجلبها معه من السوق عند عودته، فحظر التجوال سيبدأ من السادسة مساء، ولن يستطيع بعد ذلك أن ينزل من البيت لجلب أي شيء نسيه كما كان يفعل من قبل، أغلق الباب خلفه، تصادف خروج جاره من باب شقته، أشار له بيده محييا، ونزل درجات السلم، قال لنفسه، لن ألمس الدرابزين كما كنت أفعل من قبل، لا أعرف من لمسه ومن منهم مصاب من عدمه، احتكت يده بالحائط سهوا، وقف ليضع عليها المطهر، وهو يخرج من باب العمارة تفاجأ بدخول أم رامي جارتهم، عطست في وجهه، تزلزل كيانه صرخ فيها قائلا:
ما هذا يا أم رامي؟ هكذا في وجهي لا منديل معك ولا كمامة فوق أنفك؟
ارتبكت المرأة وقالت : مشيت في الشمس ومن عادتي أن تستخرج الشمس مني ثلاث عطسات متتابعات كلما مشيت فيها
ومتتابعات؟ يا الله! وهل ستعطسي مرتين أيضا؟
جري من أمامها عائدا لشقته يعيد تعقيم نفسه، اندهشت شيرين لعودته، تبعته حتى حوض الغسيل لترى ما أعاده، غسل وجهه خمس مرات بالصابون مع تكثيف الرغوة، بعدها سكب نصف زجاجة الكولونيا على يديه ومسح وجهه ورقبته وملابسه، ربما يكون أصابها رذاذ من عطسة أم رامي،
ضحكت شيرين وقالت له: كفي أنت أيضا يا وائل، ستتأخر عن عملك، تقلص وقت العمل في زمن الكورونا وأصبح نهاية الدوام في الواحدة والنصف، وقد اقتربت الساعة من التاسعة والنصف، مازال أمامك مواصلة بالسرفيس

بزهق قال: منك لله يا أم رامي، حتى بعد أن غسلت وتعقمت، مازال الفأر يلعب في صدري من عطستك، عندما أصل عملي سأتصل عليك تخبريني بعد أن تتحسسي أخبار أم رامي هل حرارتها مرتفعة ام لا، وهل عندها أي أعراض كورونا؟ انتقل القلق إليَّ، ماذا لو كانت أم رامي عندها أعراض كورونا ولا تدري؟
شاهدت فيديو على الواتس يتحدث عن ووهان وتجربتها الناجحة مع كورونا، إنه ربما يحمل أحدهم المرض لأربعة عشر يوما ولا يدري، مصيبة أن تكوني حاملة للكورونا يا أم رامي وتمشين بين الناس توزيعنها بالعدل دون أن تدري،
فلأصعد للطابق الرابع حيث شقة أم رامي، لكن كيف أسأل؟
لن أدخل فربما كانت مريضة فعلا، وهذا العطس عرض من أعراض الكورونا، ماذا أفعل؟
أقف علي بسطة السلم الأعلى واتصل بالصيدلية وأطلب التوصيل السريع ليأتي لرقم شقتها بدواء خافض للحرارة وأقف هنا اراقب بماذا سترد على عامل التوصيل السريع؛ دقائق وصعد عامل الصيدلية ومعه الأدوية، فلأتعمد النزول على السلم الآن لأرى رد فعلها، ولأبطئ نزولي،
دق الجرس، فتحت أم رامي، ظهر عليها الاندهاش
وهي تسأل: خيرا يا ابني؟
دواء خافض للحرارة ، حسب طلبكم يا حاجة
من يا ابني أخبرك أن حرارتي مرتفعة؟
زوجة ابنك يا حاجة اتصلت بنا
أصلح الله حالك يا دعاء، أمس أخبرتها بأني أشعر ببوادر انفولونزا
ابتعد العامل خطوات وقال لها:
الحساب معك أم مع الرقم الذي اتصل بنا؟
معي يا ابني،
وأدخلت يدها في جيب عباءتها وأخرجت المبلغ المطلوب.
أخرج العامل المعقم من سترته ورش النقود قبل أن يأخذها وفر من أمامها سريعا.
كان لزاما عليَّ أن أحمي نفسي ومن حولي فاتصلت برقم ١٠٥ أبلغ عن حالتيْ كورونا في العمارة.

عن هشام شمسان

هشام سعيد شمسان أديب وكاتب يمني مهتم بالنقد الثقافي والأدبي ، ويكتب القصة القصيرة والشعر . له عددمن المؤلفات النقدية والسردية والشعرية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!