سَمُّ الصُّداع/ بقلم: هبة المحاميد

لا أعلم إن كان في الدّنيا بأسرها ألمًا أشدُّ من ألم الصّداع الكُلّي المُزمن!

أمقتُ الآلام الّتي يكون علاجها الزّمن.

تُصاب بالشّقيقة؛ فتدع عقاقير الدُّنيا بأكملها جانبًا ثمَّ تنتظر مرور الوقت لكي يرحل الألم عنك رحيلًا مؤقتًا، لتكمل مسيرتك في الجهادِ بسبيل الحياة على أمل ألّا تعود الأزمة لك مجددًا.

أنتَ كُمصاب بهذا الدّاء اللعين، عليك أن تفكّر مليًا في أيّ أمر قبل أن تهمَّ لفعلهِ؛ كأن تكون مدعو لحضور حفل زفاف، قبل أن يمرَّ في ذهنِك السؤال المعتاد لدى الجميع “ماذا سأرتدي؟” يمرُّ حينها عليك أسئلة من وحي ألمك: ماذا سأعاني عقب عودتي من الحفل؟ هل رأسي سيرحمني قليلًا؟ هل الألم يتغيّب عن الضّجيج الّذي سيرافقني في الحفل؟ هل سيأتي الصّداع نصفي أم كُلّي؟ هل سيستمر لأيام عدّة أم سينتهي عقب ليلة واحدة فقط؟ عقب تلك السلسلة اللعينة من الأسئلة تخرج من المنزل وأنت على درايةٍ كاملة ما الّذي سينتظرك حالما تعود، وربّما قبل أن تعود؛ ما يدريك! إنّ الشّقيقة أخبثُ داء عرفته الأرض..

أنت كمُصاب بهذا الدّاء الفتّاك عليك أن تحسب الكيلومترات في طريقك قبل أن تخطو خطوةً واحدة، ولِمَ؟ لكي تستشير رأسك إن كان هذا يتعب تلافيفه أم لا!

أرى الجميع في تخوّف من داء الكورونا المنتشر مؤخرًا، تاللهِ لو عرفوا داء الشقيقة لعرفوا أنَّها أشد خطرًا منه، يكفي أنَّ مُصاب الكورونا أمام خيارين لا ثالث لهما، الشّفاء عقب الإصابة أو الموت، إنّما إصابتك بالشّقيقة تفصلك إلى شقّين في كل أزمة تُباغتك، ثمَّ تعيد تشكيلك من جديد للحياة وترحل عنك آخذةً منك جزء من عافيتك، مودّعة بك جزء من سُمّها، ألا وهو الرّهبة من عودتها في أيّ وقت وأيّ مكان!

الأشدُّ ألمًا من ألم الصّداع، اليأس من العِلاج، بعد مرور سنوات من إصابتك بها، لن تستطيع أن تتعامل معها كما اعتدت سابقًا، سينصحك الجميع بتناول المسكنات، وستضحك باكيًا، لأنَك تعلم أن آلاف المسكنات ليس لها القدرة على التّخفيف من الألم؛ فكيف ستنهيه؟ لربّما ستتلف المسكنات إحدى كليتيك، أو تسبب لك آلامًا في المعدة، ولربّما ضيق في التّنفس، إنّما إنهاء الصّداع؛ فلا!

والآن وأنت في أوج الأزمة ماذا ستفعل؟

ستقرأ تلك الأحرف، ستميل برأسك جانبًا، ستضع يدك خلف رأسك في الأسفل تمامًا، ستضع يدك الأُخرى على جبينك، ثم تغمض عينيك، بانتظار رحيل زائرتك! متى الرحيل؟ حينما تشاء، فقط حينما تشاء؛ فنم قرير العين..

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!