سر الشفاء من الحنين ….بقلم الشاعر الأسير الفلسطيني كميل أبو حنيش

قصيدة جديدة من داخل سجن ريمون الصهيوني للاسير الفلسطيني الكاتب  كميل  أبو حنيش بعنوان

“””سِرُ الشِفاءِ من الحنين”””””

مهداة إلى
الدكتور الشاعر عبد الرحيم الشيخ

قُلتَ “الفصولَ بشارةٌ موصولةٌ ببشارةٍ بدءٌ برسم الانتباه”
فما البداية يا صديقي،
وما النهايةُ !
نحنُ نحيا في ثنايا صولة الأيام
والزمن المُلذّذِ دائريٌ
لا يكُفُّ عن المجيء
والأمس مثلُ اليومِ مثل الغدْ
ويدورُ هذا الكون
لا فُسحةٌ بين الفُصولِ سوى السراب
لا شيء يلمع منبئاً ببشارةٍ وسط الضباب
ومُعلناً “فصلُ الحنين إلى الربيعِ وقد تأخر”
أو تأجل أو تثاقلَ خَطْوَهُ في زحمة الطُرُقات
ولن “يرى ذاك الحبيبُ جراحه تنمو بعيداً في المروج”
خذلته عشتارٌ ولم تخطب مغامرةً هناك بعالم الأموات
أحجمت الحبيبةُ
عن فداء حبيبها في العالم السُفلي
لكي يعودَ كما يعودُ الغائبون
من برزخ الموت الطويل
وقد تضرج بالحياة
فقد تجهمَ حُلمهُ في أن يعود
كما الفراشة في الربيع
فهناك يقتظ المدى بالزمهرير
ولن يرى غير الغياب
وغُزاتنا يأتون في وَضح النهار
وفي كلِ وقتٍ يرغبون
لكنهم لن يعرفوا ما النرجس البري
أو قرن الغزال
وقد تناثر في التلال
لن يعرفوا كيف الحبيب جراحهُ تنمو
بعيداً في السهول وفي الجبال
لن يعرفوا أطوارها
سيُسارعوا ويغيروا أسمائها
ويُهجـّنوا أشكالها
وغُزاتُنا يتسللون بِحِلكةِ الليل الطويل
ويمكثون بأرضنا دهراً قصيراً أو طويلاً
ثُمَ يخمُد بَأْسَهُمْ
فيُقاتلون ويخسرون ويرحلون
والعاشِقون أنِسوا
بـِوادِ العِشقِ ناراً في البعيد
فتهيئوا أن ينزلوا مُتوهجين
ثم استقلوا باسمين الى السماء
وظافرين بعشقهم
وتُرابُنا بالدم يظفر
وتُرابُنا شكلٌ من الوجعِ المُقطّر
جاست بنادق خيل اصناف الغُزاةِ تُرابُنا
والله يرقد حُلمنا؟ أم حلمهم؟
ولستُ أدري
كيف يغدو الله تاجرَ حنطة في شرعهم
وصاحِبُ الختمِ الأسيرِ على كواشينِ الوُعود
أو كيف يغدو ربُ حربِ في الهِضاب
كذبوا طويلاً كي يعودوا
من مزاميرٍ مُمَوسقةٍ على لحنِ الجنائز والخراب
وكيف يأتي اللهُ إبراهيم بالخبر السعيد
عن البِشارةِ والوُعود
ما ذنبُنا إن جاء هاجرَ حملها
فيما تأخر حملُ سيدةِ النساءِ
لكي تلد شعبَ الإله
“ما شأننا إن كان إسماعيل أو إسحاق شاةٌ للإله”
وقد تشابهت الشياه
لكي نرِث تلك الفجيعة في البلاد
مُقدمين كما القرابين الشهية للطُغاة
والله ينسانا طويلاً
لم يُكلمَ أُمُنا في التيه يوماً
وقتَ ساعةِ صحوها
وعندَ ساعات الرُقادِ
يرنو إلينا من بعيد
وقد تذكر شعبه المنذور للنكبات
ويعودُ مكلومَ الفؤاد
———-
أما الغزالة وإبنها
لُغزان من وجعٍ ومن ظمءٍ
برسم البحث عن معنى
ونأياً عن دناءة شرعة الطيني في الإنسان
هذي الغزالة وابنها جرحان في وجه الظماء
هو خشفها وحبيبها
هزت له جذع النخيل
وقد تألقَ وجههُ
فأصاخَ سمعاً للحفيف من اهتزاز السعفِ
هذا الغزال وقد تعلمَ درسه
تلك الغزالة أرضُنا
قد مرّ قومٌ واستراحوا في الحقول
تجذروا وطال البقاءُ
تآلفوا وتزوجوا
هذي التلال بِقربِ “يم”
والمليكةُ فيما أدركها المخاض
ومن تحتها الربّ خاطبها
ابتسمت له في جزعٍ
هزت له جذعاً
وغنت واقشعرت
حينما رأت البشارة
في ابتسامته العظيمة
وسيغدو لغزاً موجعاً
بين أهل أمه وانبياؤها
“هل يُعلن نبي الله دولته
على خشب الصليب”
ولن يُبارحَ حلمه ويرى الحبيب جراحه
ويرى الحديث صديده
ولن نُجاري بالقيامةِ بعدما
بات الصديدُ رسالةً للحالمين
بعالم المعنى البعيدِ أو القريب
ومجدهُ طيل شوكِ السائرين لحتفهم
طوعاً وحباً في القِتال
على غرار ابن الغزالة في النضال
“فألف طوبى للذي حمل الصليب على طريق الجُلجُلة”
وألفُ طوبى للذين تمثلوا هذي الحكايةَ مسألة
وألف طوبى للذي من أجلِ خير الناس
قد حمل البشارةَ قنبلة
وألف طوبى للصليب شعارنا في المرحلة
وألف طوبى للجمال
إذا تحدرَ من سُلالات الزواج الحُرِ بين فراشةٍ وقُرُنفُلة
———-
والخسارةُ يا صديقي فهي لأُنثى
سحرها كيدٌ لنا
نهوي إليها مُرغمينَ ومُثقلينَ بوهمنا
وإذا بنا ننهارُ في أحضانها
والعارفون بسرها
والمُفرطينَ بعشقها
يتهالكون لوصلها
والقلبُ ينجو: كلما أخذت خسائرهُ تزيدُ عن المدى في حدها
والقلبُ يصحو: كلما طارت بلابلهُ الوديعةُ في البعيد لحتفها
والقلبُ يحلو: كُلما لسعتهُ نحلةَ عشقهِ في هجرها
والقلبُ يطفو: فوقَ سائله الشفيفِ اذا
ملأ الحنين الى الغزالةِ في وداعةِ شكلها
إن الخسارة يا صديقي نكسة
للعارفين الباحثين عن اقتناصِ الوجدِ في بيدائها
ودخولها فصل الصقيع
فالدفء يبني حالة قلبية
والبرد يبني حالة ذهنية
قضت الطريقةُ أن نعودَ مُعذبين بكلِ حب
فكُلُ حبٍ كان يُتعبٌني طويلاً
الحب
وكلَ حبِ كان يُشعِلني حريقاً
كما يتركني رماداً
الحب
قضت الطريقةُ أن أكونَ مُبعثراً في كلِ حب
وكلَ حبٍ كان يُسقيني أجاجاً كلَ حب
وكلَ حبٍ كان يُغلقُ شارعاً
فيما سيفتحُ شارعين لأي حب
“لو استطعنا قراءة الفُصحى”
ودُهِشنا من فصلِ الحنينِ في سِفرِ عمري
وهو يهوي كالفراشة في الغسق
لو استطعنا قراءة الفُصحى
وفجعنا من شكلِ الأنين بحبرِ سِفري
بِبَريقه نحو التماثُلِ للشفاء
فليستشطنَ من الغضب
أُرثي لنفسي عِشقها وحنينها
وقروح قلبي والجمال المستبد في كلِ زهر
وتعود أفراح الفصول كما االغزالةِ بالربيع
وينتهي عهدُ التعب
———-
حارب نهايتُك البعيدةُ كي تُصالحَ أولاً
واجه حماقتك الشديدةَ كي تُقابلَ حكمتك
قاتل هواجسك العديدة كي تُلاقي مأمنك
واقرأ تجاربكَ الجديدةَ كي تجد ما يكتُبك
وأفرغ وساوسك العنيدة كي تجد ما يملئك
أُسجد تحيةً للحنين وقد تطاول دربه
أُسجد تحيةً للفرح
أُسجد تحيةً للخسارات المجيدةِ مع زُمالات القدح
وأُواصلُ العزف الحزين بنشوة الوجع
إذا تهتكَ في ليالي السكرِ بالغةُ المرح
وأمام محتفياً بإحصاء الخسائرِ
والفرار على حِصان الحلم
يأخذني بعيداً في وجودي إذا جمح
ما التشاؤم يا صديقي
إذا مهنة المُتفائلين إذا استفاقوا بالزبد
أو مهنة المتحاربين إذا استحال قتالهم
شكلاً من العبث الطويلِ إذا استمرَ الى الأبد
بسفرة العُشاقِ حين يزورهم
ضيف الحبيبِ بحلمهم وقد استفاقوا دون أن يجدوا الجسد
أو لعنة الشعراء حين ينافقون
وهم يرون البؤس في هذى الحياة
ويرون في معنى المُروءة والشجاعةِ
صوت عارِ قد خمد
———-
أن لن أُفشي لنفسي سرها
إن الحنين هلاكها
فيما الغزالات الجميلة سر قوتها ونقطة ضعفها
سيان كان الهجر أو كان الوصال
وسأحتفي بالممكنات وسحرهن
وسأقتفي أثرَ البنفسج في حكاياتي الجديدة
واحتمال الياسمين
اذا استحال الياسمين الاحتمال
وبقوت يومي في الخيال سأكتفي بالوهمِ
فيما يُحول المعنى الصليلُ إلى جمال
وسأحتفي فيما تبقى كؤوس العمرِ
رغمَ الضياع
والأمل الكثير إذا أطلَ على المحال
وبفارغ الصبر الجميل سأنتظر
والقلبُ يغدو حينها نعم الدليل
الى الدروب اليانعات المُفضيات الى الكمال
يا قلبُ ويحكَ دُلني
يا قلب أين تقودني
نحو البدايات السعيدةِ
حين كان القلب مكشوفاً على لوح الجلالة والجلال
أم نحو دهليز النهايات البعيدة
حين يغدو الوطن مسكوناً
بهاجس الانفلات والابتذال
والدرب ملئى بآهات التضاد
وستنتهي هذي القصيدة
وسينتهي وجع التمني
والذهابُ إلى الإياب
بدءٌ برسم الانتهاء
عودٌ على بدء القصيدةِ
والحالمين بعودةٍ بعد الغيّاب
للعالقين بقسوةٍ في برزخٍ
بين الطفولة والشباب
ولربما تغدو الفصول اشارةٌ للراكدين
تحت التراب
أو ربما تغدو الفصول بشارةٌ
سِرُ الشِفاءِ من الحنين
اذا استحالَ الى عذاب
وسينتهي هذا الخريف
سينتهي
وسيُولدُ الوقتُ الجميلُ
وينتهي عصرُ السراب

عن نوار الشاطر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!