من هنا مرَّ الموت/شعر :مصطفى الحاج حسين(اسطنبول)

أمضي إلى اللاجدوى بأثقالِ عُمُري
محمَّلاً بصراخِ الدَّمعِ
بمشيبِ الأنفاسِ اللاَهثةِ
شيَّدْتُ صرحاً من السَّديمِ
زيَّنْتُ الوقتَ بالرِّيحِ الهَبوبِ
وَصَنَعْتُ أبوابيَ من خِواءٍ
وجُدراني من زبدِ اللَّهبِ
كانَتْ نوافذي تطِلُّ على العدمِ
أحملُ بيديَ سقوطي
وأصرُخُ ملءَ قهري
مَنْ بعثرَني على سطحِ المَدَى ؟!
كحبَّاتِ ليلٍ مطحُونٍ
ينقرُهُ الهشيمُ بجنونٍ !
مَنْ طوَّحَ بي لهذا العراءِ ؟!
السَّاكنِ شُحُوبي !
تيبَّسَ الوقتُ في خاصرتي خِنجراً
وتصلَّبَ الهواءُ
في تنهداتِ أحلامي
الضُّحكةُ أرتالٌ من الاكتواءِ
أمشاجٌ مِنْ ضَوءٍ مهشَّمِ القامةِ
قاتمٌ هذا العطرُ
يخنقُ ابتهالَ الحنينِ
أحتالُ على الأرضِ
لأحملَها في جعبةِ الرَّحيلِ
لن أتركَ الأمدَ
يعبثُ بهواجسِ الكونِ
سأبدأُ بإرساءِ السَّماءِ في مكانِها
وأكلِّفُ القمرَ بحراسةِ النّدى
مِنَ التَّعَطُّنِ والتَّعفُّنِ
والتَّرهُّلُ الباكي
على موعدٍ لَنْ يفطنَ إليهِ
سأطعِمُ الوردَ نجوماً
مُترَعةً بالزَهوِّ والحكايا
وَأَسقي الماءَ شهدَ الارتواءِ
ناضبٌ هذا البرقُ
لا يحملُ أشرعةَ الأمنياتِ
ولا يهمي على القلبِ
والضوءُ
سيُكنِسُنا غباراً ذاتَ موتٍ
لن يبقي للأنداءِ فتنتَها
وسيحفرُ الرَّعدُ لنا قبوراً
في جوفِ قوسِ قُزَحٍ
لتلتهمُنا الدَّهشةُ بشدقَيها
لن أتسامحَ مع شهقةِ الأنداءِ
نهشْتُ أصابعَ نومي
وكنْتُ أحلُمُ بدفءِ اللَّمسةِ الأولى
لمدينةٍ جيدُها من عسلٍ
ساحاتُها من رفيفِ الارتعاشِ
سيقانُها من لبنِ الضَّوءِ
وكانَتْ تتضوَّرُ بالشَّهوةِ
وارفةَ البوحِ والهديلِ
أزقَّتُها ملاذُ السَّحابِ الشَّفيفِ
سأرسُمُ على جُدرانِها
صورَ الاشتياقِ السَّحيقِ
وأوزِّعُ على أبوابِها
شتائلَ مِنَ القصيدِ
وَمِنْ فوقِ الشُّرفاتِ
السَّامقاتِ بالفرحةِ
سيُطلُّ عُمري على الأغاني
مشبَعاً بالحبِّ والنَّشوةِ
يؤرِّخُ لعالمٍ أجملَ
يهمسُ بأذنِ الخرابِ :
– كفى حرباً من دونِ جدوى
أتنسى استغاثاتِ الغدِ ؟!
أتنسى ابتهالاتِ المجدِ ؟!
ستكتبُ سوريَّةُ على جدرانِ الشَّفقِ
ذاتَ يومٍ :
– منْ هنا مرَّ الموتُ
وانهزمَ *.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!