اللحظات الأخيرة / بقلم : الأديبة الأردنية عنان محروس

 

( قصة قصيرة)

رأتهُ .. قادماً بسرعة .. خائفاً .. ركع أمامها بخشوع ، كمن يطلبُ الغفران من ربهِ عند دنو أجلهِ .

نظرتْ إليهِ بإشفاق .. وهي أحقُ بالشفقةِ منهُ .

الحمى التي تعاني منها بعد ولادتها  ابنتها ما زالت تستبيح جسدها منذ أيام .. وقد أخذت من شرايينها كلّ امتيازات الحياة ..

وكأنّ لم تعد لها صفةُ رسمية على هذه الأرض .

وها هي تنتظر ختم النهايةِ لتستقيلْ ..

اقترب أكثر

داعبَ عِطرهُ أنفها وعادت إلى ما مضى ..

ليالٍ قضاها بعيداً عن سريرها .. لم تسعفهُ ذاكرتهُ بوجودها .. أو نخوتهُ بالسؤالِ عنها أو عن ثمرةِ ما تحملهُ في بطنها منهُ ..

جاهلةً هي بلحظاتهِ .. وكيفَ يقضيها .. إلا ما تبقى من آثارها من علاماتٍ على رقبتهِ وقميصه الأبيض ..

وبقايا عطرٍ لأنثى غيرها ..

ولا تنسَ بعضاً من رسائل وصورٍ خليعة على هاتفه النقال .

الآن .. أدركت .. وحتى هو أدرك ..

أنه كان منذ ثلاث سنوات وكأنها الدهر يختالُ سعيداً بأقدامِ أنانيتهِ فوق قبرها الدنيوي ، ابتدأ بظلمهِ يجولُ ويمرح من بعد شهرٍ واحدٍ أو أقل من توقيعِ ورقةٍ هزيلةٍ ، أثبت فيها أنها له ..

وفي بيتهِ جارية ..

صكُ ملكية .. حكم عليها بسحقِ إنسانيتها .. وقتلَ كرامتها ومنحَ ما يسمى سندها الحق ، بإلقاءِ حفنة ترابِ جديدة فوق جثتها مرة تلو المرة ..

الذكريات المسمومة جعلت نبضها يتسارع تارة .. وتنخفض وتيرتهُ تارةً أخرى .. يدهُ الآثمة التي قتلتها مراراً تحنو عليها الآن بعطفٍ مزيف وقلبٍ مخادع ..

ومع أن أصعب اللحظات لحظة ما قبل النهاية .. كانت سعيدة ..

تيقنت أنها لا بد راحلة .

ابتسمت بارتياح ،

ابتسمت ابتسامة أكبر ،

ثم علت وجهها صفرة الموت

ونطقت الشهادتين .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!