بعض ألوان السواد/ بقلم: خالد النهيدي

كُنت أسير بمُتعة فائقة، في هذا الجو البارد و المُنعش، و هبات النسيم تزيدني إنتعاشا. كنت أسير في الشارع الرئيسي للمدينة، شارع العاصمة، اتجهت إلى جهة اليسار، أريد اختصار المسافة، و من ثم إلى أسواق المنار، منها إلى طريق الساحل الغربي، أقصد سوق السمك تحديدا، راعني منظر و زعزع كياني، لم أكن أتخيله أبدا، و لا في أقصى حالات خيالي، لقد كان ذاك الرجل الذي أعرفه حق المعرفة و اعتدت أن أراه في أماكن مختلفة يتوسط المجلس، و كأنه سيد المكان بثوبه الشتوي الأنيق و ساعته المميزة واضحة المعالم، و بهيئته المُكتملة اللتي تدل على شيء آخر تماما، و قد كان مشغول في قراءة كتاب، نظرت إليه مشدوها متُعجبا، إنه هو .. هو بما لا يدعو للشك أو الريب فأنا أحفظ ملامحه عن ظهر قلب ” كبيت شعر محفوظ في ذاكرة شاعر، لا هو استطاع أن يكمل القصيدة و لا استطاع أن ينسى بيت شعره المبتور ” انتبه إليَّ و أنا انظر إليه مشدوها متاملا متفحصا، منظره الغريب المختلف تماما، كنت اظنه فيلسوفا أو شاعرا فهو ذو بلاغة عالية وصوت جهوري في استجداء القلوب والعقول و استعطاف المشاعر، و شكله الخارجي في وقتها يؤكد صحة ما يقول، نظرته الحادة المصوبة نحوي تُثبت صحة تشبيهي، إنه هو .. هو، إلى الآن وفي كل اتجاهاتي أرى نظرته الحادة تُلاحقني، و تنظر إليَّ بانتقام شديد، و هو يتساءل كيف كشفت أمري، وكأنه يقول ما هذه الصُدفة اللعينة، كنت انوي أن ازوركم اليوم في مسجد حيكم، كان بثيابه الرثة و شكله المتهالك يستجدي المصلين، أن يعطوه من فضلات أموالهم بحُجة أنه لا يملك قوت يومه، و هو كما يبدو قادر على إعالة أسرة كاملة بأريحية تامة وبدون أن يسأل أحد .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!