حجَّر أسْوَد / بقلم : كامل التميمي/ العراق

 

منذُ صباه يتفنن في اصطياد اللّحظات الحُبْلَى بعشرات العصافير ويده لا تقبض إلّا على فتات حَّجر هشٍ، بعد أنْ التحق بالكلية العسكرية؛ أخذ وزنه يزداد وضحكه يرتفع في مناسبة وغيرها، واللافت للنظر غوص رقبته داخل  كتلة كبيرة من الشحوم المنتفخة.

لم ُيشارك في حفل التَّخرُّج في أيّ فعاليّة تذكر، واكتفى في ختام الفعاليات بالتقاط الصور مع بعض الضباط الكبار، ولا أحد منهم  انتبه إلى مظهره الذي لا يُوحى بأنّه أخذ  جَرْعة إعداد و تدريب، تضعه بمصاف الضابط، غير أنّه لم  يقف عند التقاط الصّور، بل شرع  يُفاتح  الخريجين من دورته،  للحصول على الأموال، مقابل تنسيبهم في أماكن هم يختاروها، غير أنّه لم يتمكن  من إيقاف نقلته او تغيرها؛ فافتضح أمره وذهب إلى كركوك حيث مقر الفوج الذي سوف يلتحق به دون تحقيق أيَّ صفقة تذكر، لم تمض فترة طويلة حتى سنحت له فرصة التّنسيق مع أمر الفوج، وبدأت أعداد (الفضائين) تتسرب من الفوج، ويحدث خللا واضحا في ثكنات التموضع للفوج المكلف بحماية القرى الريفيّة من الهجمات المسلحة، فتنبهت إلى ذلك خلايا (داعش) فتجمعت لأمر مريب، مما حدى بأمر الفوج الاستعانة بأحد وجهاء القرية للدفاع المشترك عن القرية وسد النقص الحاصل في أعداد المقاتلين.

ثمة أشباح في الأفق.. يحجبهم ليل بهيم.. لكن أبناء القرية كانوا ظمأى لتلك الجرذان اللّيليّة، لم تمض ساعة بعد مشاهدة الحركة المريبة حتى تم تبادل اطلاق نار كثيف، وبعدها أصبحت الحالة حامية الوطيس.. وستبسل أفراد القرية في الدفاع عن قريتهم، بعد أن أعطى زعيمهم عهدا لأمر الفوج “باختلاط الدم في حال أي هجوم على قريتهم” وحين شاهد أمر الفوج  ومساعده شراسة أهل القرية في القتال، أشار عليه بسحب الجنود كي يبقى موقف الفوج دون أدنى خسارة تذكر في هذا التعرض من قبل “الدواعش” بينما كان رئيس القبيلة يزحف لإنقاذ اخيه الذي اصيب في قدمه اليمنى، وهو يرتل سور مَوْجوعة  تلوح بآهات حرّى… فيتوهم برفع أخيه على كتفيه غير أنّها كانت لحظة مجنونة تعبث في الانفاس.. حين تلّقى أخيه من أعلى كتفيه سيل من رصاصات حارة جدا.

*******************

“الفضائين”  مصطلح يطلقه العراقيون على الجنود الذين  يُمْنَحوا إجازة مقابل أموال تدفع إلى الضباط.

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!