رجل على الهامش ( قصتان قصيرتان ) / بفلم : بكر السباتين

 

(رجل على الهامش)

انقطعت تداعياتُ الخوف في رأسه الذي اخترقتهُ رصاصةٌ طائشة، وهو قابع بأمان في برّاكيته التي سترت فقرَهُ المدقع. لم يسال عنه أحدٌ في حياته سوى رصاصة طائشة فتشت عن مكانه المتواري في ظلال الغياب والإهمال؛ فاهتمت به ولبت له النداء. قُتل الرجلُ المُهَمَّشُ في حرب لا عنوانَ لها؛ تتحكم بها رعونة أبناءِ الذواتِ وهم يطلقون الرصاصَ في أفراح كأنها المواخير التي تدور فيها الكؤوس، وتميد أرضُها بالمخمورين؛ وهم يطوِّقون أعناقَ الغواني بدنانير منهوبة، ومصبوغة بعرق الكادحين المهملين!!. صاحبُ البراكية أراحَ بموتِه وزارةَ التنميةِ الاجتماعيةِ التي لم يُدخَلْ في قوائمها؛ لينحجبَ بالتالي عن قوائم حقوق الإنسان. لكن الرجلَ في محصلة الأمر مات مبتسماً بعد طول معاناة.. لأنه استراحَ من الرياء المتفشي؛ ولغط الأصدقاء الغائبين عند الحاجة، وثرثرتهم الجوفاء لو صادفوه في الطريق، كأنها قادمةٌ من قاع بئر فارغ!! لم تباغته الرصاصة كما يبدو؛ لأنه كان في الانتظار!

***

(نعم أجمل)

قارورة زيت الزيتون التي استعادتها السيدة الأنيقة من بيت الخادمة لم تذهب هدراً، إذ منحتها مستمسكاً سوف تذل به خادمتها من خلال التلويح به عند كل حاجة؛ فقد سامحت خادمتها على طول يدها بذريعة أن أطفالها جياع فيما طوت امتعاضها في قلبها المشغول بملذات الحياة، ورياشها.

وكانت الخادمة التي ارتعدت فرائصها من الخوف والحرج قد أكدت من خلال اعترافاتها أمام الصغار والكبار بأنها ستعيد بقايا زيت القارورة المسروق إلى مطبخ سيدتها البلوطي الفاخر، فبدت السيدة وخادمتها في مشهد سريالي يجمع بين طاووس أخذ ينعق بصوته الحاد وهو يفرد ريشه الجميل؛ ليظلل دجاجةً ممعوطة الريش.

أما ابتسامة الرضا التي ارتسمت في وجه السيدة فلم تكن مجانية.. وسؤالها فيما لو شبع أبناء الخادمة أم ناموا جياعاً؛ جاء من قبيل التمهيد لأمر أهم في نظرها، حينما ربتت على كتفها المهزوم:

” حبيبتي جهزت نفسي لأخذ حمام زيت زيتون؛ كي تظل بشرتي نضرة؛ فهمَّتُكِ معي كي تدلكيني بعناية فائقة.. عاملي هذا الجسد المنهك كأنه لطفلك الذي نام قبل لحظات.. دعي أناملك تمسد كل تفاصيل جسدي؛ فقد أنهكته الرياضة والرحلات والسهر في النوادي مع الأصدقاء..”.

وحينما استلبت الخادمة إلى غيبوبة الذاكرة المقفلة على همومها، أثناء عملية التدليك، غابت عن تفاصيل جسد سيدتها الغض المرمري. كانت تتذكر جفاف أجساد أطفالها الجياع من قلة الطعام.. وتشققات أخمصي قدميها وهي تطوف الحواري بحثاً عن عيادة مجانية تعالج الفطريات الطافحة في جسد أجمل بناتها الصغيرات، تمتمت في سرها:

” اكتشفت جمالها لأول مرة حينما دعكت وجهها بالصابون؛ فذهلت.. وكانت تهز رأسها ساخرة وهي تمرغ جسد سيدتها بزيت الزيتزن الذي زكمت رائحته الشهية أنفها:

“كأنها أجمل من سيدتي!!”نعم أجمل..

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!