سكرة الموت/ بقلم : أحمد عزالدين _ ليبيا

ليلة عادية مثل كل الليالي، أصحو من نومي مفزوعا من حلم يروادني لا أتذكر تفاصيله، فاركا عيني محدقا للساعة ستكون الثالثة تماما كالعادة، نهضت من سريري كدت أن أقع على الأرض، أكنت نائما أم سكرانا لا أدري، ذهبت إلى دورة المياه بخطوات متمايلة لقضاء حاجتي، أثناء عودتي عرجت للمطبخ لأشرب كوبا من الماء، متفقدا الثلاجة للمرة الرابعة لا جديد يذكر، فقط عشاء الأمس وعلبة شوكولا بها عدس وحليب فاسد وبعض الخضار التى لا يحبها أحد، نظرت نظرة خاطفة لعالمي الأزرق، عشرون إشعارا وسبع طلبات مراسلة قلت في نفسي (غدا أتفقد رعاياي) وغطت في نوم عميق، الساعة الخامسة تماما، وأثناء النوم فتحت عيني قليلا لأتأكد من أنني لم أنم للعاشرة، ضوء لامع شق سقف غرفتي، متسائلا أهو الفجر، و دون سابق إنذار، أيدي كثيرة خرجت من مصدر الضوء الغريب جذبتني من سريري بكل قوة، قلت فورا أنا أحلم الأن ولكن منذ متى الأحلام كالواقع، فتلك الأيدي كانت حادة، شعرت بها شعرت بالألم نعم الألم الذي ينتج عن إرسال أجسامنا نبضات عصبية إلى عقولنا حتى تحذرنا من أننا نتألم، قاومت صارخا : أمي أبي لكن صرخاتي إختفت في العدم، وبينما تتدافع الأيدي من كل فوج كنت أضحك بتعابير وجه خائف، كنت على يقين بأنني أحلم لا شك في ذلك، شيء ما خرج من السقف، كان طويل القامة، شديد السواد ماسكا في يده منجل نظر إلي نظرة مرعبة وأشار بيده إلى تلك الأيدي بأن تتراجع قائلا : لا مهرب له وإنسحبوا كلهم عائدين من حيث ما أتو، عم الهدوء، صوت الأذان متزامنا مع صوت أمي وهي قادمة بخطوتها الناعمة (أحمد أحمد إستيقظ يا بني وقت الصلاة) دخلت أمي لغرفتي،  تفقدت أخي أولا ثم إقتربت مني، وبدأت بهز جسدي، إستيقظ يا عزيزي فأنا أعرف أنك تسمعني، شعور غريب يراودني فأنا مستيقظ ولكنها تظنني نائما، خاطبتها يا أماه أنا مستيقظ، لم تعرني إنتباهها، وقفت على سريري قائلا : لها أمي هل سمعت صراخي لقد راودني كابوس مرعب !! ظلت تهز جسدي وعلامات الحيرة والجمود على وجهها، تساءلت في نفسي (لحظة كيف حصل هذا) أنا واقف هنا ولكنها مزالت تحاول أن توقظني، أردت أن ألمس أمي حتى تلتفت إلي لكن لم أقدر، وقفت أمامها ملوحا بكلتا يدي لكنها لا تراني، تهز جسدي بإستمرار تتفقد أنفاسي تقلبني ذات اليمين وذات الشمال، وما هي لحظات حتى بدأت بالصراخ يا (أبا أحمد يا أبا أحمد) تعال أسرع  فأحمد لا يستيقظ، صرخت قائلا : أنا هنا أمامك يا أماه ماذا جرى لك، أتى والدي قال إبتعدي لأمي، فإبتعدت وإبتعدت أيضا، وهنا كانت الصدمة أنا هنا وهناك، إثنان مني كيف حدث هذا، (قهقهة خفيفة) وبكل ثقة أنا أحلم، تلعثم والدي في كلامه قائلا لأمي إتصلي بالإسعاف إبننا لا يتنفس، وقعت أمي مغشية على الأرض، قفزت صوبها لأساعدها فمررت من خلالها، ماذا يحصل لي أنا طيف أصبحت شبحا اللعنة أقسم بأني لن أنام مجددا، والدي يحاول أن ينقذني ضاغطا على صدري ليقوم بالإنعاش، دنوت منه هامسا إليه، لا عليك دع عنك ما تفعل، فأنا حي أنا أحلم أنتم تحلمون، سنستيقظ جميعا صباحا فرحين، وجاء إخوتي جميعا إقتربوا من جسدي وتعال الصراخ والبكاء، وصرت أطوف بينهم أحاول أن أطمئنهم بأني هنا مازلت بخير، لكن ما باليد حيلة فهم لا يرونني وكيف لهم أن يرو طيفا يطفو في الأرجاء، جلست في زاوية غرفتي، وقد ضممت ركبتي إلى صدري، أنظر إليهم جميعا وهم يفقدون صوابهم بين مكذب لوفاتي وبين من يقبل جبيني،  أهتف بصوت رقيق أنا أحلم أنا أحلم لم أمت مازلت صغيرا، رأيت شريط ذكرياتي كله يمر أمامي،  طفولتي، مغامراتي، حين مرضي كل شيء مر بسرعة، أعمالي، أفعالي، ألفاظي، تصرفاتي، في الشارع، في البيت، أول كذبة لي أمام والدي، أول قطعة حلوى سرقتها من دكان العم سالم،  لقد غرني الشيطان، هل يا ترى سأحاسب عليها، شعور بالندم تدفق في شراييني، ما فائدة الندم والبكاء الأن إن كنت حقا ميتا فلن ينفعني شيئا، مرت ساعات كأنها أسابيع، أتى الجميع .. جيران وأقارب واصدقاء، الكل تفنن في دوره وقاموا ما يقع عليهم من واجب التعزية والمواساة، رأيت وجوها كثيرة، وتعددت ألوانهم والهدف واحد، رأيت أناس قد أسأت إليهم وها هم الأن يتابكون لرحيلي وكأنهم إشتاقو لإساءتي، تبا إنهم يزيدون من معاناتي وبؤسي،  كيف أعلم أنني مت الأن أين الدلائل ألا يجب أن أنتقل إلى دار غير داري، وأهل غير أهلي فما بالي مازلت اطفو هنا وحيدا ..
(لقد حان الوقت ) والدي مخاطبا الجميع سوف نقوم بالدفن الأن، قاموا بإدخال تابوت أسود اللون (لوني المفضل جميل)  إلى غرفة المعيشة أزاحو الغطاء على وجهي، وإنهالت القبلات علي من أمي واختي وخالاتي وعماتي، قبلات الوداع، وأنا أطفو فوق رؤوسهم وهم لا يرونني، أردد مغنيا غير مبال بما يحدث (ياولدي قد مات شهيدا من مات فداء للمحبوب) أمرح وألهو وكأنني عصفور صغير يحلق بين الزهور، نعم .. كنت متمسكا بتلك النظرية أنني سأصحو على صوت أمي الجميل وأن مايحدث هوا كابوس مرعب، وماهي لحظات حتى إنبثق الضوء مجددا، اقشعر جسدي وغيمة ظلال سوداء فوق رأسي، خرج إلي جند يقودهم صاحب المنجل وقال (لقد حان الوقت ) كبلوني بالسلاسل والأغلال وساروا بي إلى المجهول، رجوتهم أن يدعوني و شأني لم يبالو بأمري، قلت بلطف : يا سيدي صاحب المنجل هل لي أن أطلب منك طلبا، نظر إلي بتلك النظرة مجددا حتى إنسلخ لحم وجهي من هولها قائلا : إصمت أنت ميت والموتى لا يتكلمون،  وصارو يجرونني جرا، أبكي وأصرخ قائلا: أرجعوني أعمل عملا صالحا، أرجعوني أصلي الفجر، أرجعوني أقبل رأس أمي، أرجعوني مازلت شابا ولا أريد الموت، أريد أن أتوب، أريد أن أكفر عن سيئاتي، وقف الجميع عن التحرك، وسمعت صوتا غليظا من السماء يقول { ولن يأخر الله نفسا إذا جآ أجلها والله خبير بما تعملون } .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!