شاعرة بالفطرة/ بقلم : نور الدين بنبلا ( المغرب )

 

امرأة، خطت بأناملها الرطبة، قصيدة انتفاضة، أزاحت بها صخرة قلب مات ميتة أهل الكهف، نبعُ إحساسٍ حقيقيٍ انفجر ليصب في محيط اِختلطت بحوره.

مدمنة على الأعداد والأرقام، وهندسة الخطوط والأحجام، وسبر غور المنطق بإحكام، وعشق الحكمة وفصل المقال، إلى أن أُرسل المِرْسال وجاء الميعاد.

جلست إلى طاولة من طاولات الخزانة البلدية، غير آبهة لمن يجلس أمامها،  فتحت الكتاب، وقلبت صفحاته، الصفحة بعد أخرى. حتى أعياها النظر والتمعن في تركات أرسطو، فرفعت رأسها لتُصعق بتيار النظرة الأولى الخاطف من رجل وسيم أنساها صمت المكان، وأربك العد عندها و الأبعاد. ابتسمت بدورها وقد أتلفت كل حدود متراجحاتها وحلول معادلاتها. لٓعِبا لعبة الأسماء كالصبيان، فاختلطت لغة القوافي بلون خلايا العقل، ثم توقف ميزان التعارف على المنزلة بين المنزلتين.

فنطق وقال:

– سيدتي، ماذا تطالعين؟

–   أنا أعشق الحكمة بين الشرق و الغرب، وأغوص في النقاشات البيزنطية التي تُختم بعلامات استفهام.

– وأنا سيدتي آتي لأسمع الشعر من ثنايا سطور الأوراق، وأشم عبق القوافي الذي يمنح للحياة مذاق.

–     لكن  الحكمة تثبت وجودك ايها الوسيم.

–           والشعر يمنح الروح والحياة لهذا الوجود. أيتها الحكيمة.

السكتة في لحظة سكون تدل على الرضى، والشفاه المرتعدة تنبئ عن انحباس السيل الجارف الآتي من الأعماق، ورموش العيون تسرع  الحركة كطائر ذُبابي عند امتصاص الرحيق.

مد يده إلى محفظته الأنيقة و أخرج كتابا متوسط الحجم.

  • تفضلي سيدتي، هذا ديواني الأول، عصارة أشعاري.

بلهفة تلقفت سيدة المنطق الكتاب وهي في حالة شرود، وكأنها بنت العقدين، ثم قالت: شكرا، سأتناوله بكل عناية. فأردف الرجل الوسيم الكلام مجيبا: الشعر يمنح الروح لهذا الوجود. ثم انصرف مبتسما. جلست المسكينة وضربات فؤادها تسمع عبر جدران قفصها الصدري. وجدت في نفسها رغبة التعمق في هذا الكم من الشعور الرجولي الذي لم يكن لها عهد به. أسبوع من النهم والتذوق كانت كافية لسيدة المنطق لتعمل تحديثات كاملة لملفات ذهنها والتي باتت أكثرها ملفات مؤقتة ملأت ذاكرة الحس والشعور لديها. لم يفارقها وجه الرجل الوسيم، ولازمتها لطافته ورقة مشاعره. فكم كانت دهشتها كبيرة، عندما بدت لها العشرة أرقام التي عثرت عليها في آخر صفحات الديوان وقد خُطت تحتها بعناية وقصد عبارة: “هذا رقم جوالي إن كانت لك رغبة في الاتصال بي”. سُرت بهذا الاكتشاف وهي لم تنل بعد قسطا من الراحة. ثم أمسكت قلبها بيدها خوفا من جنوح أحاسيسها إلى ثورة جذرية على سلطة العقل، وتفكيك رموز الأقفال التي أغلقت بها، بحثا عن فسحة للتحرر والحرية.

منذ ذلك الحين وهي تُهاتِف فتاها الوسيم، الذي أنقذها من جفاء الجدل والمجادلة. ونقل لها عدوى الحرف والقوافي و منحها حاسة التذوق عند الشعراء، وجعلها تتملى حلاوة الشعر وشهده.

وبذلك يعلن المخيال الفردي عند سيدة المنطق عن انتصار لغة القلب، وتتويجه بميلاد أول قصيدة تحت عنوان” كلام قلب”. قدمتها فيما بعد كورقة ملحقة لديوان فتاها الشاعر عربون محبة في أول لقاء شاعري ورومانسي لهما.

قالت في مطلعها:

كيف  ألام  على  فقدان  عقلي  السديد

فرزانته   وخفة  دمه  أتعبت  قلبي  العتيد

نظراته  تنسيني الحر  وليالي  البرد  الشديد

ما  عدت أصبر على فراقه  فأنا  لست  من  حديد

ولو  و ضعتموني  في  زنزانة   حارسها  صنديد

فلن انساه  فهو  لي  اقرب  من  حبل  الوريد

سكن  روحي  و صار  معه  الدهر  عيد

لأن  عشقي  له  يوما  بعد  يوم  يزيد

كوب  ماء  يكفيني  و لقمة  ثريد

تحت  سقف  كوخ  من  خشب  و قرميد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!