عبّود/ بقلم :د . صوفيا الهدار(اليمن )

انتظره أشقاؤه بلهفة،  عندما وصل استقبلته نظيرة واعتدال بحماس وعبارات تعثرت فيها  الكلمات المتسابقة، أما أحمد فجاء صوته من خلفهما: أهلا بالروائي الكبير. وراح يلوح بجريدة في يده.
ارتبك نجيب وارتسم على وجهه مزيج من خجل وفرح.
وكطفل اقتاده إلى حيث يجلس أحمد، على سرير يأخذ مكانه قبالة التلفاز ، كما في جميع صالات البيوت الشعبية في تلك المدينة.
وراحت الأسئلة تدور…
لماذا لم تخبرنا أنك تكتب؟
متى كتبتها؟
متى شاركت في المسابقة؟
كيف تواصلوا معك؟
هل من جائزة مالية؟
كم كان عدد منافسيك؟
لمَ لمْ تخبرنا عن الفوز من قبل؟
بعد أن ظن أن سلة الأسئلة قد أفرغت وجف سيل العتاب، تساءلت  اعتدال بعفوية :يعني، أنت الأول … الأول؟
لا… الأول، تعني الثاني.  رد أحمد.
ضحك الجميع ضحكا متباينا، ضحك خجول، وآخر ساخر، وضحك لا يشبه الضحك.
وفي غمرة الضحك، لكز أحمد رأس نجيب  قائلا: كنت أظن أن هذا الرأس مليء بالقمل، ولكن فاجأني أنه مليء بالأفكار أيضاً.
ابتسم نجيب بخجل مرير، واحمرت وجنتاه الغائرتان كطفل يتلقى  إطراء من معلمه، فاحتضنته شقيقتاه حضنا أموميا، مما زاد من خجله، واختلاج مشاعره.
لكن من هو عبّود؟ تساءلت نظيرة.
بطل الرواية، بارتباك طالب، وتوتر مذنب أجاب نجيب.
ماهي قصته؟ اندفعتا تسألان في الوقت ذاته..
غامت في عينيه إجابة لم يلحظها أحد. قريبا ستكون الرواية بين أيديكم، اكتفى  نجيب بهذا الرد الذي لم يشبع لهن فضول.
استمر حديث الأشقاء دافئا، حتى برد الحماس، فاستأذن أحمد للمغادرة  إلى بيته، تاركا الجريدة التي تحمل إعلان الفوز لشقيقتيه. واستأذن نجيب أيضا للصعود إلى غرفته في الطابق العلوي..
تأملت الشقيقتان أخاهما وهو يرتقي السلم، بقامته الطويلة النحيلة والمحنية دائما، تأملتا شعره الناعم الذي يسقط على جبهته الصغيرة وقد تجرأ بياضه  على سواده، لم تصدقا أن يكون شقيقهما هذا هو نفسه الذي تتحدث عنه الجرائد.
لم يكن الانتظار سهلا بالنسبة لنجيب،  ولكن أخيرا وصلت نسخا  ورقية من “عبّود”، احتضنها  طويلا، وترك منها نسخة لأشقائه كهدية.
ظلت تلك النسخة على التلفاز ، لا تمس إلا عندما يمسح عنها الغبار.  وبعد أسابيع، انتقلت إلى خزانة خشبية في حجرة الاستقبال، لتبقى هناك إلى الأبد، حاملة بين دفتيها وجع لم يعرف به أحد.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!