فجر / بقلم:د.عبد الفتاح العربي ( تونس )

كان متفوقا في دراسته لكنه من عائلة فقيرة يذهب مشيا على الأقدام طيلة عشر كيلومترات ،يستفيق من الساعة السادسة صباحا حاملا محفظته الثقيلة بالكتب و الكراريس يحملها على ظهره يمشي و يلتفت لعل يتبعه كلب أو ذئب لأن الغابة المحيطة ملآنة بالحيوانات الضارة و في طريقه العديد من الحفر وهو يلبس نعلا من البلاستيك في عز الشتاء و البرد يلفه و المطر يبلله وهو لا يبالي لأن عزيمته فولاذية يعلم أن الطريق شاق للوصول لهدفه و يعلم أن العلم هو الذي سينفذه و ينقذ عائلته من الفقر و يصل مدرسه متعبا و يرتاح بين الفينو و الأخرى ،دخل المدرسة بهمة و رأسه و قامته ممشوقة وقف أمام العلم الوطني في طابور المدرسة و حياه و أنشد النشيد الوطني بحماس فياض ،كان يأمن أن الوطن يبدأ من قريته و مدرسته و يؤمن بأرضه و يقف عليها شامخا، ينهي كل يوم مواعيد دروسه بانتظام و يتفوق في كل درس و يشكره معلميه حتى أنه يرى أن جميع المواد هو محب لها بنفس القيمة ،تراه في العربية مواضيع على الدرس و التمارين و يرفع إصبعه في كل مناداة و في كل سؤال و يجيب إجابة وافية حتى أن معلمته ذات مرة قالت له :أتأخذ دروسا خصوصية ،أجاب :لا،تعجبت و سكتت.
إنه ممتاز لحد الحسد ،كان صاحب شخصية قوية يحاول أن يكون محبا لجميع أقرانه حتى أن المدير دائما يناديه لتقديم برنامج إذاعي للمدرسة و تنشيط الأنشطة الثقافية داخلها.
دأب التلميذ محمد على هذا الدرب و دخل الثانوية و تحصل على الباكالوريا و بمحصل جيد جدا دخل كلية الطب و كان له نصيب في أن يكون لامعا و جاءته فرصة العمر أن اختارته الجامعة من بين الجميع أن يذهب في بعثة لألمانيا و هنالك سلك طريقا للبحث العلمي و أصبح أشهر دكتور حيث قدم بحثه و نجح فيه و وقع ترشيحه لجائزة نوبل في الطب لكنهم اشترطوا عليه أن يتنازل عن جنسية بلده و هو المرشح الأبرز لنيل الجائزة و تكون له جنسية ألمانية لكنه رفض ذلك و تركته حبيبته الألمانية و تحطم حلمه و أطرد من فريق البحث و دفع فاتورة حب بلده الذي أعطاه الحب و التربية و التعليم و رجع بلده و انخرط في حزب سياسي و صمم على النهوض ببلده علميا و كان برنامجه الإقلاع و النهضة العلمية و التعليمية و ترشح في انتخابات الرئاسة و صال و جال و التفت حوله نخبة من الشباب و المثقفين و لكنه في إحدى الليالي وهو مسافر من مدينة إلى أخرى تعرض لحادث سير و كان قاتلا و توفي في الطريق و نزف حتى الموت في ضلام الليل حتى طلع الصباح و حملوه للمستشفى وهو ميت و حزن عليه الجميع لدماثة أخلاقه و حبه لبلده و دفن هذا الطبيب في موكب حزين .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!