كانت وحيدة!/بقلم:رهيب هائل( اليمن)

في إحدى زقاق المدينة وجدتها ماكثة تستحضر ذكرياتها الجميلة بوجهٍ خافتٍ ذي بشرة سمراء ،وعينين عسليتين، كانت مكفهرة من كثرة الأرق والتعب وترتدي ملابس مترهلة جدا لا تستطيع أن تقيها صقيع الليل وشمس النهار.

تحمل في يديها بقايا الطعام تحاول إلتهامه بصعوبة، على رشفة من المياه المتروكة على الرصيف، وقفت بقربها أتأمل لحالتها المبكية للناظرين، أشاهدها بصمت مطبق… حتى أن أكملت بقايا ذلك الخبز، قالت لي بصوتها المتعثر المليء بالحشرجة والحرقة : لا تعجب يا هذا فأنا أتسكع في زقاق المدينة صباحًا ومساءً أبحث عن فُتَات الخبز المرمي من قبل المطاعم والمنازل ، فقد بات همي الوحيد هو العثور على لقمة أسد بها رمق العيش لا أكثر ، فلا تستغرب من حالتي التي وصلت إليها الآن نحن أطفال الشوارع لا نمتلك مأوى نواري به أجسادنا المتعبة، ولا أقارب يقومون بمساعدتنا فقد دمرت الحرب كل شيء،أخذت أغلى ما نملك في الحياة.

أتعلم؟ أنا في الطفولة كنت أمتلك أقارب وأهل وأصدقاء ألعب معهم ، وألهو ليلًا ونهارًا، نتبادل الألعاب معًا ونحلق في المرجيحات ، وضحكاتنا تملأ أجواء المكان، ودلال أمي وأبي لي كان لا ينقطع، كانوا كل يوم يقدمون لي أحلى الحلويات والألعاب.

كنت لا أتخيل أن أصبح في هذه الحالة التي أنا عليها الآن! أن أخسر كل أهلي دفعة واحدة، حتى أقاربي وجميع الأصدقاء فقدتهم وبقيت وحدي مرمية على الرصيف وعمري لم يتجاوز الثانية عشرة.

تساقط الدمع من عينيها وهي تقول : في ذلك اليوم المشؤوم ، الذي خطف الموت مني كل شيء تمنيت وقتها أن أموت ولكني لم أستطع فالموت لم يقترب عليَّ ، فهو لا يأتي لكل من تمناه ولا يبتعد عن كل من يرفضه فتركني هنا كما ترى .

فلا تتعجب، لأنك قد تصادف في طريقك قصصًا أوجع من التي سمعتها الآن، تركتني في حيرتي ومضت مواصلة مشوارها في دروب الضياع.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!