لا شيءَ يتنفس/ بقلم الأديب سامر المعاني

(() – قصة قصيرة الكاتب سامر المعاني – الاردن كُنا قد اجتمعنا في رحلة أدبية وصهرتنا متعة الكتابة والقراءة، لأجد نفسي أقف أمام بيته ذات مساء متمنياً أن نكسِّر معا ظلام تشرين بالمسير والسمر. كانت كل النوافذ المظلمة المنبعثة من وجهه الحزين لا تعني شيئاً، وأنا أعرف بأنه يعيش حياة مريرة أكبر من تناقض تشرين وغدره . ذهبت اسرد له ما اعرفه من كسور تمَّ جبرها ، وبأن الله قادر ورحيم بعباده لكنها امتحانات الإنسان المؤمن الصابر , والأمل والنور لا بد أن يكون في حياتنا . سرنا وابتعدت بنا المسافات ، وأنا أمامَ رجل يضع يديه على خاصرته التي لا تنتهي من التمزيق بروحه , وعلى أسوارِ المقبرة في أطراف المدينة كان لابد له أن يجلس, فلم يستطع مجاراة الألم . قال لي بعد ما جلس : يَتيم أنا ,بعد وفاة والدي توفيت أمي وأخي أمام عيني في حادث سير أيضاً .. فقر يُخيم على كل مفاصِل حياتي , مرض دون أمل , وعدم القدرة على عمل ، بيت بالأجرة لا استطيع دفع أجرته , عائلة كبيرة بحاجة للكثير ، وفوق كل ما أعيشه من بؤس وألم , أفقد كل مَن أعرفه حين لا يجد مني غير الألم والبؤس والحرمان, فحتى الابتسامة لا أتقنها. أمسكت بيديه لينهض وأنا أقول له : ليس بوسعك إلا أن تقول يا الله. قال : يا الله ونظر الي بعينه المترقرقة جوعا للفرح … سارعت بالسير وهو يقول : لقد أزعجتك يا صديقي؟ (وأنا أتعصر ألما) قلت له : كلا يا صديقي بل هو برد السبل ولا شيء سوى البرد (سامحك الله) , ثم ذهبت ألقي له قصيدة شعر للأخطل الصغير وهو أيضاً يخرج من عباءة انكسار النفس ليتكلم عن آخر ما كتب من قصص قد أسبغ عليها جمالاً لا يخلو من بصيص أمل ونور يخطفه من ستائر النوافذ المغلقة . عدت إلى البيتِ ارتدي لباساً ثقيلاً وهو ما زالَ في خاطري ، وآلامه تُتعب أعصابي ، أمام هذا الانسداد في الأفق من حرمان وفقر ومرض وقلة حيلة.. بعد يومين وعند الصباح الباكر ومن أمام بيته قُمت بشراء كوب من القهوة ثم بالاتصال به كي يرافقني جلسة فيروزية في المقهى القريب من بيته ، لكنه لم يجب, حاولت الاتصال عشرات المرات وأنا أعلم جيداً انه لا ينام في هذا الوقت , انتظرت قليلاً , وقهوتي بقيت صامتة هي وأصوات فيروز لتأخذني خطواتي إليه. كنت أمام حقيقة أخرى من نكبات العمر ,حيث وجدت بيته خاوياً .لقد أخرجهم صاحب المنزل لأنهم عجزوا عن سداد أجرة البيت لأشهر عديدة ,وبعد أن تشاجر مع ابنه الذي ساءه ما بدر منه .بينما الجميع يجهل عنوانه ومصيره. في قاع الأنين نحيب يعتصرني ويرهق أنفاسي فلقد سلب كل تفكيري في زمن النكبات الذي يخيم على صدره بلا جديد . بعد أسبوعين وبينما كنت أقلب محطات التلفاز، وإذ به يتكلم بصوت مريح نوعا ما يعتذر عن تأخيره غير أني كنت بغاية السرور . قال لي بأنه سكن في بيت أفضل واستطاع أن يعمل في مكتبة كبيرة والأهم من ذلك انه قد تم الموافقة على نشر كتابه الأول ، وحين سألته عن عنوانه قال لي …..غداً سأخبرك به . جاء الغد دون رد ومضت أيامٌ حتّى كان التجاهل من جديد . لم استطع الاتصال به أو أن أجد أي طريقة جديدة لمعرفة شيء عنه, وقد بعثر كل أفكاري دون أي جديد , وأنا أعصر ذهني لعلي أصل إلى مكانه و لكن دون جدوى . دون تخطيط مسبق وبالصدفة , أخبرني احد الأصدقاء أن أراقب الهاتف لمعرفة المكان الذي صدرت منه المكالمات عبر الاجهزة الامنية ان كنت اعرف احد هناك . تحدد المكان وكنت هنالك مع الصباح، وعند تيارات فجر تشرين الباردة سرت حول تلك البيوت المتناثرة التي لم استطع أن أجد أحداً يدلني فيها على بيته , أو أن أحظى بمشاهدته أو مشاهدة أحد من عائلته. رغم ذلك كنت أتجول في تلك المنطقة حيث شاهدت منزلاً من الطوب ليس فيه أبواب , ونوافذ تغطيها ستائر من قماش . أكملت المسير وأنا أتمتم في سري الحمد لله بأنه في حال أفضل… سرت في تلك المنطقة التي لا تشهد ازدحاماً في شارعها الفرعي, حيث البيوت متناثرة لا تتجاوز العشرة بيوت, كما كانت بعيدة عن مركز المدينة و مضيت لعله يرد على الهاتف ,وإن لم يجب سأطرق أي باب واسألهم عنه . أمسكت هاتفي وأنا أكمل تجوالي لكن خطواتي تباطأت وترددت نبضاتي وارتعشت أطرافي 00 حتى سقط الهاتف من يدي وأنا اسمع جرس الهاتف يخرج من ذلك المكان الذي يخلو من كل شيء ثم تراجعت وصرخت أحمد… أبا أمجد وإذا بصوت ابنه الذي أعرفه جيدا : نعم … تفضل … هربت دون شعور بنفسي و أنا أسابق دموعي للفرار من هذا الصباح الجاف علي اعود بعد حين اكون قيد الأمل !!

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!