وجوه بلا ملامح/بقلم:عبد القادرالقادري

دلف الى المحطة تغلفه مسحة من الكآبة، والرأس مثقلة بخواطر وتساؤلات تطيح
به في دوامة الحيرة والقلق، وأحس بشعور غريب بدأ يتسلقه من الداخل..هو مزيج
من الخوف والضجر، لايدري على وجه الدقة..الشعور ذاته الذي بات لايفارقه في
هذه الايام منذ أن عقد العزم على السفر لزيارة الطبيب..
المحطة تعج بكائنات آدمية تتحرك في كل اتجاه..أصوات القطارات تكسر هدوء
المكان..ومحنة الرجل لاتهدأ على حال، وبدت له الوجوه بلا ملامح كأنها في حالة
ترقب او انتظار، تروح وتجيئ ..
الرجل واقف يتأمل، وقد انبعثت في اعماقه كلمات الطبيب:
– المرض مزمن ويحتاج الى علاج طويل..ولقاءاتنا ستتكرر أكثر من مرة..
تأمله الرجل بعيون حائرة قبل ان يسأل مرتبكا:
– علاج طويل؟..وكم..كم سيستغرق من الوقت؟
كان الطبيب غارقا في تأمل بعض أوراقه على المكتب أمامه، وحين استدار نحوه
اجاب وقال:
– لانستطيع التكهن على وجه الدقة بالمدة الزمنية التي سيحتاجها العلاج..ولكن
من الضروري متابعة تطور المرض من خلال فحص صور الاشعة..
كان الرجل واجما ينصت باهتمام، ويهز رأسه من حين لآخركأنه يوافق على ما
يشرحه الطبيب..

واستفاق فجأة من شروده على صوت صفارة القطار وهو يدخل المحطة..الوجوه
الآدمية اخذت تتحرك وتجتمع على الرصيف استعدادا للصعود..ورأسه مثقلة
بالخواطر والافكار، وكلمات الطبيب عادت لتهز اعماقه بقوة..
في القطار جلس قريبا من النافذة صامتا، وهدوؤه يشي باضطراب داخلي لايعرف
له حدا..« علاج طويل وزيارات متكررة للطبيب..تلك علامات شقاء ابدي » بذلك
حدث نفسه، وهو غارق في تأمل مناظر الطريق .. وإنبعثت في خاطره صور
الامس القريب، وهو منهمك حتى ساعات متاخرة من الليل في تصحيح اكوام من
الاوراق، حيث غالبا ما تتزامن فترة الامتحانات مع متاعب استثنائية.. «تعب كلها
الحياة » عبارة طالما رددها صديقه الاستاذ المتقاعد اكثر من مرة، كلما جمعتهما
لقاءات عابرة..والطالب "ع" كان يحدوه الامل في الحصول على نقط اضافية
تؤهله للتسجيل في احدى الشعب العلمية بالخارج.. اي طموح واي استعداد..
واستفسارات الطلبة الآخرين، كانت بغرض توضيح ما غمض عنهم في بعض
الدروس..تلك وجوه آدمية تظل بلا ملامح..وكنت على حق ايها الاستاذ المتقاعد
بشعارك الازلي..فالمتاعب يعرفها الرجل منذ ان بدأ التدريس بالثانوية قبل سنوات
ولم يكن حينها يتردد على زيارة الطبيب في كل مرة كما يفعل اليوم..
وهو جالس في قاعة الانتظار طفق يحدث نفسه:«اي جديد هذا الذي سيأتي به
الطبيب اليوم؟ لقد اخبرني في مرات كثيرة ان المرض مزمن وان العلاج سيدوم
طويلا..بل الشقاء مع المرض هو الذي سيدوم طويلا!..».
– ..انا قلت لك..حالتك تحتاج للمتابعة لنعرف تطور المرض..سأنتظر منك نتيجة
هذا الفحص بالاشعة..وعلى ضوئها سأقرر في مستقبل العلاج..
تسلم الرجل ورقة الفحص، تأملها جيدا، ثم استدار وهو يودع الطبيب.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!