وردان سيد الكلاب.. وأحياناً بعض الرجال / بقلم : ليث الهجان/ العراق

 

 

 

 

على الكلاب جميعًا أن تنصت ،إلى ما أقول ،سأحدثكم قليلاً عن السيد ” وردان”، أحيانًا تتزاحم الأفكار في رأسك وتخنقك ، وتطفو فوق رأسك ، وأحيانًا تختفي، وتنشغل في مشاريع أخرى وتعود إليك في كل فترة منقطعة ، وتخنقك من جديد عندما يصبح الأنسان ذو غريزة حيوانية ، لا بد لك أن تبوح بفكرتك بطريقة تليق بذهنك وتصورك، فكلما أتذكر السيد وردان أبتسم كثيرًا وأردد مع نفسي على الكلاب جميعًا أن تكون كـــــــ” وردان” وأحيانًا بعض الرجال ، وأنطلق استرجاعيًا من حادثتين مهمتين مررت بها في حياتي ، الأولى عندما كنت طفلًا فكانت المطاردة الأولى لي، من قِبل كلب ! لاحقني وسارعت بالهروب، وبعدها توالت المطاردات مرةً أخرى من قِبل كلب أخر، ومن ثمَّ تحول مفهوم المطاردة من قبل الأنسان ، فتوالت المطاردات فيما بيننا ، أما الحادثة الثانية عندما كنت في أحدى الورش الصحفية ” فراح يردد الأستاذ الصحفي” أذا أردت أن تكون صحفي جيد” عليك أولًا أن تكتب عن الأشياء الغرائبية حتى تكون صحفي ناجح ومميز، فمثلًا ” أحد الصحفيين الأمريكيين يقول” إذا رأيت رجلًا يعض كلب فهذا هو الخبر الصحفي الغريب والجيد ” عليك أن تدونه وتنشره فوراً ، حتى في حادثة  غريبه مؤخرًا ، هناك رجلًا من أمريكا من ولاية ” فلوريدا” أدانته المحكمة بتهمة تعذيب الحيوانات، بعد عضهِ كلبًا ، من هذه المقولة أطلقت لقب ” السيد” لـ وردان ،إذا كنت لا تعرف (وردان) جيدًا أو لم تسمع عنه، عليك أولاً أن تعرف جيدًا الروائي العربي المهم ” عبد الرحمن منيف” وبالتحديد أن تمر بمحطة رواية ” حين تركنا الجسر” كي تفهم وتعي جيدًا لماذا أطلقت لقب” السيد ” حول كلب يدعى وردان مع الصياد زكي نداوي والبطة السحرية التي كان يحلم ” زكي نداوي” في اصطيادها.

تعتبر رواية ( حين تركنا الجسر ) من الروايات المهمة ضمن أعمال الراحل عبد الرحمن منيف، الرواية تحكي عن بطلين مهمين هما ( زكي نداوي – وردان )، بعض النقاد أطلقوا عليها رواية المناجاة ذو المونولوج المطول لبطلها الصياد زكي نداوي الذي كان يحلم بصيد البطة السحرية ، وتناسوا وردان الذي كان يرافقهُ طول رحلته العجيبة الذي كان يشاركه أيضًا المونولوج المطول، فكان وردان من أرق  المخلوقات من بين الكلاب سِمةٌ ، فكان كَلبٌ مُطيع ، كَلبٌ مُثابر ، كِلب مواظب، يحمل كل الصفات التي تتعلق بالوفاء، رغم الانكسارات والإحباطات التي كان يتلقاها من قِبل السيد زكي نداوي، إلا أن وردان تَحمل الوجع وانكسارات وفشل زكي نداوي ، دائماً ما نلاحظ أن كل أعمال منيف نجد فيها روح الخلق في الشخصيات ، يستطيع  أن يخلق لك شخصية ترافقك طول رحلتك في القراءة ، ويترك أثر في نفس المتلقي ودائمًا ما تصاحبنه هذه الشخصيات في حياتنا اليومية في الحديث عنها ، مثال على ذلك (ليليان -في قصة حب مجوسية – إلياس نخلة- حنة- في الأشجار واغتيال مرزوق- شيرين في سباق المسافات الطويلة- متعب الهذال في خماسية مدن الملح- أشيلوس ورجب في شرق المتوسط) كل هذه الشخصيات هي شخصيات حية مٌحملة بكم هائل من المشاعر المفرطة الإنسانية والعاطفة والتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها الفرد العربي ، وكأنما هذه الشخصيات في أعمال عبد الرحمن منيف تحاكي الواقع العربي وتشتت الهوية العربية، فتكون أكثر احتكاكا وملامسة  مع القارئ.

نجح منيف من خلال( زكي نداوي- ووردان – البطة السحرية) أن يخلق شخصيات ثلاثية متساوية من حيث العمق، السرد، والصراعات النفسية مع بعض ، هذه الشخصيات الثلاثة تدخل ضمن حيز هرم “فريتاج” الذي يتمثل ب( التمهيد- الحدث الصاعد- الذروة – الحدث النازل- الحل أو النهاية)، سرعان ما تبدأ الأحداث بقدوم البطة السحرية بعد ساعات وأيام طوال من الانتظار المؤلم ، هنا تبدأ مراسيم التربص والقنص في هِبة الاستعداد الذي يمهد له زكي نداوي  مع ترقب وردان  كحدث صاعد مع ذروة الصمت التي تخلق العبثية في النفس للانطلاق وينقض على فريسته حسب التعليمات والنصائح والدروس التي يتلقاها من سيده ” زكي نداوي” لكن المثلث الدرامي بين وردان وزكي نداوي والبطة السحرية لم يكتمل فتكون النهاية أو الحل مؤجل إلى شعار أخر ، رغم الصراعات النفسية والوجع الذي تلقاه زكي نداوي في طول رحلته، فراح زكي نداوي يخاطب نفسه كثيرًا ولم يكترث له أحد سوى كلبه ” وردان” فصار رفيقه طول رحلته ورغم المحاولات الفاشلة من قبل الصياد ، فكان الخذلان الحقيقي لوردان عندما أستطاع زكي في نهاية المطاف أن يصطاد البطة السحرية فركض الصياد وترك خلفه وردان مكسوراً ينظر بعينه إلى صديقه كيف يحمل البطة السحرية في الظلام التي كان من المفترض أن تكلف هذه المهمة لوردان ، لكن زكي هنا أصبح أناني ونسى صبر ووفاء كلبه وردان فخذلهُ فأصبح وردان السيد وحل محل الصياد ، وزكي نداوي تحول إلى كلب وراح يركض دون وعي ليكتشف النهاية بمرارة وحزن عميق ليكتشف الوهم الحقيقي ويجد الفريسة بومة سوداء لتكون النهاية بحزن ساخر ، وهادئ ملامس ضوء القمر مع جلوس وردان كالسيد الحزين ليشارك صديقه المتخاذل زكي نداوي المأساة، ، سبب السخط والوجع والانكسار الذي لحق بزكي نداوي هو الجسر، الجسر الذي يبنى من قبل الرفقاء ولم يعبروه وتراجعوا عنه ، وبدلاً أن يعبروا عليه ، عبروا علينا، الرحلة للصياد كانت جميلة جداً، كهذيان مطول، أراد الكاتب أن يفرغ ما في داخله من خلال زكي نداوي..

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!