غادرت صورتها المعلّقة على جدار الصّالون .. مشت على أطراف أصابعها .. رسمت قبلة على جبين ابنها و أخرى في الهواء على خدّ زوجها , غطّتهما , البرد شديد و المطر ينزل بغزارة .. ثمّ دارت في أرجاء البيت ترتّب أشياء مبعثرة ..ملابس ..أحذية ..جوارب ..كتبا ..لم تنس أن ترسم على إحدى الكرّاسات بقلم ملوّن قلبا داخله ” أحبّك ” .. ذهبت إلى المطبخ ..أعدّت قهوة الصّباح و وضعتها و حكايات على طبق … لن يقول كانت هنا .. لن يقول كأنّها هنا ..هي هنا الآن و دائما ..رائحتها.. صوتها .. نفسها ..تنظيمها للأشياء ..عطرها .. كلّ شيء لها و منها بقي عالقا ملتصقا بالجدران .. مرسوما في الهواء .. حتّى الحكايات و القبلات و الذّكريات أخذت مكانها في كلّ مكان .. تراصّت في الخزائن و الأدراج و بين الأثاث .. لم يبق ركن إلّا و اكتظّ بالصور تزاحم بعضها بعضا … و لن يلاحظ تآكل طرف الإطار الذي تدوس عليه كلّ ليلة لتقفز خارجه … أصبح الخيال صديقه , رفيقه الذي لا يغادره , يؤنسه , يهدهد شوقه الباكي إلى أن ينام و يحتضن قلبه إلى أن يصحو … سيتخيّل أنّه سمع صوتها و أحسّ بحركتها في أرجاء البيت … ثمّ .. سيقول إنّه أعدّ قهوته و نسي … سيقول عن الحكايات نسجتها الذّكرى و أحضرها الحنين … سيقول إنّه رتّب البيت مثلما كانت تفعل تماما و نسي … و لكنّ ابنه سيقسم إنّه أحسّ بها تقبّله و تغطّيه … و أنّ ” أحبّك ” داخل صورة القلب مكتوبة بخطّ يدها …