الأديبة نوار الشاطر تحاور الشاعر المصري علاء جانب

برنامج أمير الشعراء هو وجبة متكاملة من الوعي بالشعر إبداعًا ونقداً .

الشعر هو حياتي ،أنا رجل أعيش بالشعر وللشعر ، والدواوين الستة التي نشرتها ليست كل ما كتبت .

-المديح النبوي يعني لي طوق النجاة لشعري الذي أخاف جداً من حساب الله عليه يوم القيامة .

ـ إذا أردنا نقداً عربياً فلنحدد الهدف ولتكن الكتابة عربية تعنى بالبيان العربي .

أمير الشعراء، شاعر الأزهر ، أستاذ الأدب والنقد في كلية اللغة العربية بالقاهرة جامعة الأزهر ، دكتوراه في الأدب القديم ، ماجستير في الأدب والنقد الحديث ، الحاصل على العديد من الدروع والأوسمة و شهادات التقدير من جهات ثقافية عربية متعددة ، المشارك في النقاش والاشراف على العديد من الرسائل العلمية ، وفي العديد من الملتقيات والمهرجات الشعرية ، تناول شعره بالدراسة عدد من الرسائل العلمية ، ستة داووين شعرية ( وأنا وحدي ، ولد ويكتب النجوم ، لاقط التوت ، متورط في الياسمين ، السكوت ، لم يفهموك ، المغنّي ) .
الدكتور الشاعر علاء جانب من أهم الشعراء الذين أثبتوا أن الشعر لا يزال الوجه الأجمل للغة العربية في وقتنا المعاصر ،وأن الشاعر عندما تكتبه قصيدته بصدق سيخلده التاريخ بحق ، لنبحر في عمق هذه الشخصية من خلال هذا الحوار :
• كيف استوطن الشاعر د. علاء جانب في الذاكرة الشعرية و الأدبية ؟

•• لا يحتاج استيطان الشاعر في الذاكرة بعد تحقق أدواته الشعرية من لغة ووزن وعاطفة وخيال إلى أكثر من الصدق والأصالة، والشعور الحقيقي بما يكتب ، والإيمان برسالة الشعر وبقدرته على التواصل ، فهناك شعراء يتعالون في لغتهم على الجمهور ويكتبون للنخبة ، وهؤلاء يظلمون الناس في حقهم في شعر يعبر عنهم .. ولقد رأينا كيف انقلب الشعر والنقد كلاهما في السنوات الأخير إلى طلاسم لا تفيد علما ولا حكمة ولا تثري وجدانا ولا تربي ذوقا.. ببساطة لأن شاعراً يقول وقارئاً يتأول ما يقول .

• ما دور الإعلام العربي بكل وسائله في نشر الشعر العربي وتعزيز شعبيته بين الناس ؟

•• يلعب الإعلام العربي دوراً مهما وفاعلاً في نشر الشعر والعمل على الارتقاء به من خلال الصحف والمجلات والوسائل المرئية والمسموعة ووسائط الميديا أو الإعلام البديل .
وقد وجدت في العقد الأخير من الألفية الثانية والعقد الأول من الألفية الثالثة بعض القنوات التلفزيونية القائمة على الشعر مثل قناة بينونة التي تقوم على خدمة الشعر وتعزيز شعبيته .
كما وجدت بعض البرامج التلفزيونية القوية والواسعة الانتشار مثل برنامج شاعر العرب وبرنامج أمير الشعراء وبرنامج أمير الشعراء وغير ذلك ممن تأثر بهذه التجارب .

•هل يعتبر برنامج “أمير الشعراء ” من البرامج التـي خدمت الشعر العربي وساهمت في الحفاظ عليه ؟

•• قد كان لبرنامج أمير الشعراء -من وجهة نظري- نصيب الأسد في إذكاء روح التنافس بين الشعراء مما يعود بالنفع على فن الشعر ، وتطوير أدواته ويعود كذلك على الشعراء من خلال تقديم الجوائز وتقديم الشعراء أنفسهم على منصات إعلاميه تسمح لنتاجهم الأدبي بالذيوع والانتشار والوصول إلى الجماهير .
وجدير بالذكر أن هذا يعد استثماراً للوسائط الجديدة في توصيل الشاعر بقطاعات عريضة من المحبين للشعر لكن لا تتاح لهم الظروف المناسبة للقراءة وشراء الدواوين ، فيغنيه عن ذلك أن يشاهد ويستمع إلى شعر راقٍ ونقدٍ يُقدّم له بطريقة كبسولات خفيفة يتعلم منها كيف يقرأ ويتذوق ويضع يده على مواطن الجودة والرداءة .
فأصبح البرنامج وجبة متكاملة من الوعي بالشعر إبداعًا ونقداً .

وقفة مع قصيدة للشاعر علاء جانب :

( لم يفهموك )

لَم يفهموك فدع قوما وما اعتنقوا
لو أنهم فهموا نوحا لما غَرِقوا
إذا نظرت إلى أعلى أفقت على
تلك الحبال مدلاة بمن شُنِقوا
أو انحنيت أراك الماء نرجسة
في ظلمة الجب والإفكَ الذى اختلقوا
زدني من الخمر كاسا إن لىوترا
لآخر الحزن يرمينى فأحترِقُ
لا تبخلي بالبيانو يا صويحبتى
الروح عصفورة فى اللحم تنعتقُ
أيقظت ذكرى التى مالت على شفتى
وَذَوَّبَتْنِى فساح الورد والألقُ
ذبيحة وذبيح لم يدع لهما
حب الحياة يدا لما قضى الشَبَقُ
أعطيتها نجمة من قبلتى فبكت
كأن طفلا وراء الدمع يختنقُ
مَرَّ المغنى وكان الدمع محتبسًا
فحين سال إناءً أجهش الأفُقُ
فزد من الناى سَحًا فى العروق
ففى ناى الحنين إذا هاج الأسى رَمَقُ
وَطَفِّفِ الكاس فالسكين باردة
رَوحًا وجيئًا وحلقى مُتْرَعٌ فَهِقُ
يا ذي البلاد التى ما ارتاح عاشقها
نام الضمير فَنَم يا أيها الأرَقُ
بَحَثْتُ عن وجه امى ما اهتديت له
ولم يقدنى إلى الجبانة العَبَقُ
أما تعرفت يا أمى على جسدى
أنا الشقي الذى أدمت يدى الرِبَقُ
هذا المساء إلى عرسى سيحملنى
أنا العريس ونعشى ذلك الشفَقُ
أنا اللقيط الذى ألقيتِهِ سَحَرا
أمام مسجد من صلوا وما صَدقوا
إمامهم سامريٌ لا إله له
إلا الجنون إذا ما غامت الطرقُ
قالوا أحبوك يا موسى وقد كذبوا
لو أنهم صدقوا فى الحب ما افترقوا
لم يؤمنوا بى يا أخت احشدى سُحُبًا
أبكى بهنَّ إذا ما خانت الحَدَقُ
هارون أعطيته عهدا فضيعه
وفاتنى وعليَّ الأرض تنطبقُ
ما أوجع الأخَ مجروحا بكف أخٍ
وليس أوجع من كفٍ بها نَثِقُ
فزد من الخمر أخرى واستمع شَجَنى
إن السكاكين فى ضِلعيَّ تصطفِقُ
خَرَجتُ من ملتقى البحرين مرتجفًا
الماء أعمى وفي أمواجِهِ نَزَقُ
يا رب أشهد كذابون مُذْ شَهروا
سيف الخصامِ وعن دين الهوى مَرقوا
شقوا عصايَ وما رقوا لنائلة
لما افتدتنى وفى هدر الدم استبقوا
عَوتْ ذئاب فكان النابُ مُرشِدَنا
ودعوة الناسِ يا فوضى ويا قَلَقُ
وقام فى الليل غِربانٌ على شَجَنٍ
يصوتونَ نشازًا كلما اتفقوا
فانظر سمائىَ والأيدى تُمَزِّعُها
ما خِيطَ جُرْحٌ بها إلا وينفَتِقُ
للآن نَمشى على الشوقِ القديمِ فما
حَنَتْ علينا يدٌ أو هزنا وَدَقُ
أو صافَحتنا يَدٌ للعدلِ فى زَمَنٍ
دون الرهيفِ بهِ أن يُكْسَر العُنُقُ
حريةُ الشِعرِ للِأقلامِ كافِرَةٌ
ولم يعد واثقا فى الكاتبِ الوَرَقُ
توزَّعتنا متاهاتٌ مُضَلِّلَةٌ
فكل قوم حيارى قادهم نَفَقُ
مؤذنون إلى السلطان قِبلتهم
وخائنون إلى الحكام قد سبقوا
وجائعون كلابُ البطنِ تَنهَشُهُم
وبائعونَ إذا ما استئمنوا سَرقوا
وفوضويون جائتهم على طَبقٍ
فأحرقوها وفى نيرانها احترقوا

• هل التصويت والطريقة المتبعة لتعيين أمير الشعراء تعتبر عادلة و منصفة للشعراء ؟

••أما عن مسألة التصويت فقد أراد بها المخطط للبرنامج أن يحدث وعيا جماهيريا بشعر الفصحي فكان لا بد من إشراك الجماهير في العملية الإبداعية على اعتبار أن المتلقي جزء من هذه العملية .. وبذلك فاشتراط التصويت من الأمور التي ساعدت على نجاح هذا البرنامج ؛ غير أن انقلاب التصويت إلى عصبيات وتكتلات مذهبية أو عرقية أو قبلية أو قومية هو الأمر المعيب .. وهذا أمر لا تملك إدارة البرنامج ضبطه أو التحكم فيه ، لكنها تملك أن تجعل من أهداف البرنامج تقديم محتوى يوجه إلى القضاء على العصبية ودعم الفن بشكل إنساني من خلال مقاييس الإعجاب بالفن ذاته وإلى كاريزما المبدع دون النظر إلى عرقه ومذهبه ودولته وقبيلته .
وقد مر كاتب هذه السطور بتجربة في أمير الشعراء حيث وُفّقت بحول الله وفضله إلى الفوز بالمركز الأول في الموسم الخامس من مواسمه.

• ما رأيك الشخصي ببرنامج ” أمير الشعراء ” ماهي تجربتك الخاصة معه ؟ وماذا أضاف إليك ذلك ؟

•• قد أفادتني المشاركة تطويرا لفنّي بالاحتكاك والتنافس مع زملائي ممن كانوا معي في حلبة الرهان .
وأفادني الفوز جائزة قيمة أفادتني في حياتي الاجتماعية .
وأفادني أيضا نصيباً جيداً من الشهرة ساعدت على وصول اسمي إلى جمهور أكبر لم أكن لأصل إليه لولا فوزي بالمركز الأول في الجائزة .
وقد نجح البرنامج في كسب ثقة قطاع عريض من المتذوقين وذلك لما تقدمه لجنة التحكيم المحترمة المكونة من ثلاثة من العلماء النقاد
هم د . صلاح فضل ود. عبد الملك
مرتاض ود. علي بن تميم .
من عطاء نقدي مكثف وخفيف وسريع عبر برقياتهم النقدية وتعليقاتهم الألمعية على نتاج المبدعين .

• لماذا توجهت للأدب القديم ؟ وما سبب اختيارك لموضوع الصورة الفنية في قصيدة المدح بين ابن سناء الملك والبهاء زهير ليكون موضوعاً لاطروحة الدكتوراه ؟

•• الأدب القديم ، (التراث) هو ماضينا الذي يجب ألا ننفصل عنه وأن ننطلق منه إذا أردنا نهضة حقيقية في كل شيء .. كيق تقوم شجرة بلا جذر؟ كيف يقوم بيت على غير أساس ؟ كيف ترتفع الأسقف بغير أعمدة ، كان اختياري لدراسة قصيدة المدح رغبة في رفع الظلم عنها فقد اتهمت لفترة طويلة بأنها قصيدة مناسباتية، وأنها لا يجرى فيها ماء الصدق ، فين أن قصيدة المدح حملت على عاتقها نقل القيم العربية ، الأصيلة ، ونقل القيم الإسلامية القويمة عبر حلقات الزمان من جيل إلى جيل ، وكانت من أهم الأسباب التي حفظت بها الهوية العربية ، لذلك اخترت هذا الموضوع بين شاعرين مصريين متميزين مختلفين في المدرسة متفقين في الهدف والرسالة.

• ماهي رؤيتك الخاصة للنقد الحديث ؟

•• النقد الحديث أصابه من فترة بعيدة فتورُ ، وانغمس في التعمية والتعتيم، فأصبحنا نرى أشكالاً هندسية، ونقرأ كلاماً أشبه بتعاويذ الجن ، وفك السحر ، طلسمات من الكلمات ، وضلال في المناهج ابتعد كثيرا عن الثقافة والهوية العربية ، فلا هو أفلح أن يطعمها بما يفيد، ولا هو حتى أفلح أن يفهم فهما حقيقا ، ويقوم بامانة النقل الكامل لمذاهب الغرب ، كيف تحدثني عن الشكلانيين الروس وعن حلقة براغ وعن البنوية والتفكيكية، والحداثة وما بعد الحداثة وأنا بعد لا أعرف شيئا عن تراثي .. وعن لغتي وعن منطلقاتي الفكرية والعقدية ..؟! لا يمكن أن يفهم أحدا من لم يفهم نفسه فهما جيدا .. فإذا أردنا نقداً عربياً فلنحدد الهدف ولتكن الكتابة عربية تعنى بالبيان العربي ، والأمر يحتاج إلى طفرات في المدارس والمعاهد والجامعات تؤهل الناس للوعي النقدي الجديد .

• صدر لك ستة داووين شعرية ، وفي رصيدك العديد من الأبحاث العلمية والدراسات النقدية ، بين الشعر والنقد ما الأقرب إليك و أين تجد نفسك أكثر؟

•• الشعر هو حياتي .. أنا الآن رجل أدلف إلى التاسعة والاربعين من عمري ،، حياتي كلها قضيتها محاولا فهم الشعر وقرضه ونقده ، وفي الجامعة والبيت والجلسات الخاصة .. أنا رجل أعيش بالشعر وللشعر ، والدواوين الستة التي نشرتها ليست كل ما كتبت ، ولكن عندها مثلها أو يزيد في حاجة إلى وقت للمراجعة ، والنظر ليقدم للقارئ.

•شاعر الأزهر في رصيده قصائد طرزها بحب النبي محمد وآل بيته الأطهار صلوات الله عليهم ، كما حصل على المركز الأول عن قصيدته ” كما يلتقي البحران ” في مديح السيدة خديجة ، ماذا يعني لك المديح النبوي ؟

•• محبة النبي باب الخير في الدنيا والآخرة ، وإذا نسينا هذه الحقيقة المهمة كمسلمين فقد فقدنا كل شيء، في الأصل أن النبي صلى الله عليه وسلم مقدم في المحبة على الروح والنفس والمال والولد.. فكيف لا يترجم هذا الحب إلى شعر ، وكيف يُتصور شاعر مسلم لا يعبر عن محبته للنبي .. لكن الناس كما يقول الدكتور زكي مبارك حيال مديح النبي صنفان : صنف كسب شرف المحاولة وأدلى بدلوه بمقدار ما فتح الله له ، وصنف آثر الصمت والسلامة خشية التقصير ، أو عجزاً بالبيان عن مطالة الذات المحمدية التي هي أصل الشجرة النورانية .. عندي مدائح مطولات ، ومقاطع قصيرات، وأناشيد غناها منشدون مثل الشيخ مشاري بن راشد العفاسي ، والأستاذ مصطفى عاطف ، والأستاذ محمد عاطف ، وغير ذلك ، وعندي قصائد في مديح السيدة خديجة رضى الله عنها ، وفي مدح السيدة زينب رضي الله عنها ، وفي سيدنا الحسين رضي الله عنه . المديح النبوي يعني لي طوق النجاة لشعري الذي أخاف جدا من حساب الله عليه يوم القيامة ، فأقول لعل الله يغفر لي حصائد لساني بما أقدم في مديح النبي وآل بيته .

• الشاعر د. علاء جانب تجربة ٳبداعية فريدة و مسيرة حافلة بالعطاء النقي ، شكرا جزيلا على هذا الحوار المميز، و لقاء واحد لا يكفي للإضاءة على هذه المسيرة المشرقة ، أترك الكلمة الأخيرة لك ..

•• إن كان لي من كلمة فإني أشكر كل مؤسسة تهتم بالشعر والشعراء وتحرص على بقاء الهوية العربية ، وأرجو من الله السلامة لأوطاننا وشعوبنا وحكامنا وأن يصلح الله ذات بيننا وأن يأذن بعودة الأمة العربية إلى موضع الصدارة .

 

 


عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!