الشاعر رضوان بن شيكار يستضيف القاصة سعيدة لقراري في زاويته أسماء وأسئلة

أسماء وأسئلة : إعداد وتقديم : رضوان بن شيكار
• تقف هذه السلسلة من الحوارات كل أسبوع مع مبدع أو فنان، أو فاعل في إحدى المجالات الحيوية في أسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد إنتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيفة حلقة الأسبوع القاصة سعيدة لقراري
1 ) كيف تعرفين نفسك للقراء في سطرين؟
سعيدة لقراري، قاصة مغربية، عشت ولادتين ، الولادة الأولى، حضن أمي كان مهدها..
أما الولادة الثانية فبحضن أول كتاب قرأت وأول حرف خطني بوحا وحبرا ذو حياة على ورق.
2) ماذا تقرئين الآن، وما هو أجمل كتاب قرأته؟
أقرأ الآن كتاب ” خورخي لويس بورخيس، أسطورة الأدب” تقديم وترجمة محمد أيت لعميم، بالنسبة لتحديد أجمل كتاب قرأته، فالأمر صعب، فكأنك تسألني عن أبنائي أيهم المفضل لدي، فكل كتاب اطلعت عليه كان بالنسبة لي الأجمل ..
3) متى بدأت الكتابة، ولماذا تكتبين؟
إذا صح التعبير، يمكن القول أن الكتابة هي التي بدأتني، بعدما اتخذت من القراءة نشاطا من نشاطاتي الضرورية، و التي رافقتني منذ سنواتي الأولى بالمستوى الإعدادي، فكانت الكتابة من إفرازات ذلك النشاط الذي لم أستطع معه تأجيلا أو لامبالاة..
لا حاجة للكتابة إلى ربطة عنق، ولا إلى لباس ضيق يقيد حركاتها، ولا إلى آخر فضفاض يحجب عنا مواطن الجمال فيها، الكتابة تأتيها الحرية من داخلها، ما تحتاجه من هواء، ماء، وتربة، منها يصدر وإليها يتوجه، ماسح الأحذية فيها يرفع رأسه ناثرا اللمعان في القلوب قبل الأحذية، عامل النظافة سيد الشوارع يكنس ما بالصدور من نفايات، الكتابة لا تعبأ بعلب، نهر جار محتواه نحو مصب، يتجدد فيه الجريان صعودا ونزولا، جمالها بساطة تخلو من السذاجة، وعمق ينأى عن التعقيد، عملية الكتابة لا تخضع لمبدإ العرض والطلب، قد تكون نزلة صقيع، أو موجة حرٍّ، أو زوبعة كاسحة..
وأنا أكتب، أزرع أطرافا بحياة ولدت هناك عارية من الحركة.
وأنا أكتب..
أستعير لسان الحلم، بجرعات من الجنون أمده كلما أشرف على الموت عطشا..
وأنا أكتب أقوم بتدوير الحواس، لتركض بي بعيدا..عاليا وعميقا، بألوان وأشكال وأحجام تتجاوز التوقعات..
للمدفأة أصبح المدخنة، للقارب أصبح الشراع، للرياح أصبح الاتجاهات
وأنا أكتب، في الاتجاه المعاكس أتدفق..مني أنفلت، لا يراودني هم البحث عني
يلهيني عن ذلك ما يأخذني ..ما يمتلكني حد الاستلاب
وأنا أكتب، بحر حبر أصير
فيه، إلى الطعم والصنارة أتحول، أطاردني، أتربص بي، أبحر، أغرق وأطفو
وأنا أكتب..حافية القدمين، رشاقة رقصات التانغو، السالسا والفالس، بي، رقصة واحدة تصبح
وأنا أكتب أتلعثم، أعض لساني، أقضم أظافري، أفرقع أصابعي، وأقف على يدي
ورأسي مكان قدمي يتأمل العالم بالمقلوب، وأنا أكتب
قوالبٌ، بالعلب تحاول الزج بي، أتحاشاها . .وأنا أكتب
أتذكر رزمة جدتي..ضفيرتيها المربوطتين بقطعة من ثوب وقد أنهت تضميخهما بالحناء، وأنا أكتب
الزمانُ والمكانُ يتبادلان الأدوار، الأحجام والألوان أيضا وأنا أكتب
لا أكون ساعي البريد ولا الرسالة
وأنا أكتب أهش التفاصيل الصغيرة، لتلحق بنفسها، بعيدا عن السرب، وخارجَ القطيع
وأنا أكتب أستمع لصوت إيتالو كالفينو يقول
“..لو أني كنت يدا فحسب… يدا مقطوعةً تمسك بالقلم وتكتب..”
4) ماهي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين الى التسكع في ازقتها وبين دروبها؟
هي العالية ” طنجة ” عاصمة الجمال بامتياز وعبق التاريخ بجذوره الضاربة في القدم ، يزيدني شوقا وحنينا لإزاحة الحجب عما خفي بزواياها من سحر ..شأنها في ذلك شأن المدن المغربية العتيقة التي لازالت تشدني إليها دهشة وحبا في اكتشاف مكامن الجمال بها
5) هل أنت راضية على إنتاجك، وماهي أعمالك المقبلة؟
لا أسلك طريق الرضا على إنتاجي وأنا أقبل كل مرة على الكتابة، لأن شعور الرضا على إنتاج معين – في رأيي ء يعني الوصول وأيضا يعني نهاية الطريق، الأمر الذي لا يراودني أو يشغلني..
لدي أعمال من مرحلة النشر أقرب، يتعلق الأمر بمجموعتين قصصيتين، أما العمل الثالث فرواية لازالت قيد المسودات، كما أن لدي مشروع تحويل بحثي الأدبي الذي حصلت من خلال تهييئه على الإجازة إلى كتاب ..
6) متى ستحرقين أوراقك الإبداعية وتعتزلين الكتابة بشكل نهائي؟
إجابتي ألخصها في قول الأديب حنا مينة ” الكتابة هي اللذة الكبرى والرذيلة الكبرى ولا خلاص منهما إلا بالموت “
7) ماهو العمل الذي تتمنين أن تكوني كاتبته وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
أعجبت بالكثير من الأعمال الأدبية حد الدهشة والاستلاب، لكن عند ذلك الخط يتوقف الانجذاب ولا يتعدى إلى أن يشغلني أو يراودني تحقيق أمنية أكون فيها صاحبة عمل من تلك الأعمال..
الكتابة الإبداعية تفرض علي أحيانا كثيرة الطقوس التي علي أن أسلك إليها غاية، فلا يسعني إلا أن أطيع وأنساق، إذ ليس هناك زمن محدد ولا مكان محدد، أؤثث أركانا فيهما بالطقوس، ويوما بعد يوم تؤكد لي الكتابة أنها لا تخضع للعرض أو للطلب، بل هي التي تخضعنا لطقوسها وتجلياتها كمبدعين ومبدعات..
8) هل للمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها؟
كل مثقف يحمل مقومات إنسانية تؤهل مجتمعه للتقدم الحضاري، لكن يبقى التوقف عند مدى استقطاب الحمولات المعرفية لذلك المثقف من طرف كل فرد من ذلك المجتمع، ومدى التفاعل معها متقبِّلا أو رافضا أو محايدا..
لذلك فعلى المثقف تُلقى مسؤولية ضرورة التمكن من آليات تأثير إنسانية فاعلة، تجذب وتستقطب كل الشرائح الاجتماعية دون استثناء، نحو الطريق الوحيد والأوحد المؤدي إلى الارتقاء الحضاري الإنساني للأفراد ..
9) ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حرية أقل بسبب الحجر الصحي؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟
العزلة الإجبارية وجدت قبل الحجر، وقد فرضها الكثير على نفسه لحاجة ذاتية، دوافعها بالدواخل تولد، وبالتالي يمكن القول أن الحجر الصحي يرتبط بالجزء الثاني من التساؤل أكثر، والمتمثل في أن الحجر يفرض حرية أقل، يبقى للمبدع فيها الخيال الشاسع والرغبة الكافية في خلق عوالم جديدة خاصة به، تزيح عنه ومن حوله الأسلاك الشائكة التي سيج بها الحجر الصحي الزمان والمكان، إذ يجد المبدع نفسه يتمتع بحرية تفتح له شهية أكبر في الاطلاع والكتابة ..
والعزلة قيد بالنسبة للكاتب حين تفرض عليه مقالا في غير مقامه، لكنها حرية وفسحة تتيح الخلق والإبداع حين يسعى إليها طوعا واختيارا ، رغم أن هناك من العزلة المفروضة التي يحولها المبدع – مضطرا لا بطلاء إلى نافذة على الحرية مشرعة..
10) شخصية من الماضي ترغبين لقاءها ولماذا؟
رغبة جامحة تراودني في اللقاء بكل الأديبات اللواتي وضعن حدا لحياتهم، ولم يتركن للقدر الفرصة في قول كلمته حول مصيرهن، سيلفيا بلاث، فيرجينيا وولف، فروغ فرخزاد..
لأطرح عليهن السؤال التالي: لإنتاجكن الأدبي جمال كان ولازال له وقع النور فينا، فكيف أضأتن لنا الطريق نحو حب الحياة، وأدخلتن أنفسكن في نفق الموت المظلم؟ ..
11) ماذا كنت ستغيرين في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد، ولماذا؟
إن أتيحت لي فرصة البدء من جديد، كنت سأجعل التغيير وجهتي في أمر واحد فقط، وهو جعل الكتاب أقرب جليس منذ إدراكي لهذه الحياة..
12) ماذا يبقى عندما نفقد الأشياء، الذكريات، أم الفراغ؟
عندما نفقد الأشياء، بِجُبِّ الفراغ افتقادنا لها يسقطنا، وإن استأنسنا بها كذكريات
13) إلى ماذا تحتاج المرأة في أوطاننا لتصل إلى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعاتنا الذكورية بامتياز، إلى دهاء بلقيس، أم إلى جرأة وشجاعة نوال السعداوي؟
المرأة تحتاج إلى ما تتصف بهما السيدتان، بشرط أن تتوفر على الوعي بذلك ولا تتقبل باطلا ينزله عليها المجتمع الذكوري في صفة حق، إذ أن إدراكها لحقوقها وحرصها على انتزاعها من فم الضبع، هو أهم خطوة نحو تحررها من تبعية تذلها وتلغي هويتها ..
14) ما الذي يريده الناس تحديدا من الكاتب أو القاص على وجه الخصوص؟
اسمح لي بإعادة صياغة السؤال، إذ من الأفضل – في رأيي – أن نتساءل : ما الذي يريده القارئ تحديدا من الكاتب أوالقاص…
الكتابة لا تخضع لمبدإ العرض والطلب، وفي نفس الآن الكاتب أثناء عملية الكتابة لا يسقط من عين الإبرة القارئ المفترض، فهذا الأخير موجود ومتواجد من خلال ما يسدعي أثناء المخاض الإبداعي من عوالم وشخصيات وأحداث ..سيجد ذلك القارئ فيها نفسه أو شيئا منها..
15) من هو قارئك؟
لا علم لي بهوية قارئي، ولا دراية لي بحجمه، كل ما أعلمه هو أنه الكاتب الجديد لما كتبت ..
16) كيف ترين تجربة النشر على مواقع التواصل الاجتماعي؟
تجربة النشر على مواقع التواصل الاجتماعي، تجربة ناجحة لأن ما ينشر يجد طريقة إلى أكبر عدد من القراء والمتتبعين، مما يجعل النشر الورقي – إذا صح التعبير – يعرف تراجعا أمام ذلك الزحف الإ لكتروني السريع ..
17) ماهي أجمل ذكرى وأسوأ ذكرى في حياتك؟
أجمل ذكرى هي إصداري لأول مجموعة قصصية ، وأسوأ ذكرى وفاة ابنتي البكر”ريم” التي لم تتجاوز العاشرة من عمرها سنة 2004 بسبب مرض لم ينفع معه علاج..
18) كلمة أخيرة أو شيء ترغبين الحديث عنه؟
كلمتي الأخيرة ألخصها في همسي للجميع أن المبدع إنسان، عليه الضوء يقبل، دون أن يفكر في السعي إليه .
مع محبتي وامتناني.

عن رضوان بن شيكار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!