(( د. خالد أحمد الزغيري في حوار خاص مع نوار الشاطر حول مرض التحول الجندري ))

آفاق حرة

انتشرت مؤخراً ظاهرة التحول الجنسي في المجتمعات العربية ، أصبح الكثيرون يميلون لتغيير جنسهم إما لكونهم يعانون فعلاً من مشكلة اضراب الهوية الجنسية ، أو لأسباب أخرى .
حول هذا الاضطراب المسمى بالعبور الجندري “transgender ” ، سيحدثنا د. أحمد خالد الزغيري المتخصص بعلم الوراثة الجزيئية والحاصل على ماجستير البيولوجيا الجزيئية من جامعة” Adelphi University “في الولايات المتحدة الأمريكية .
والذي عمل أيضاً في مستشفى لونغ آيلاند في مدينة النيويورك في وحدة الوراثة الطبية ،وعمل مساعد باحث في جامعة كوينز في كينجستون بتورونتو – كندا ، وأدار معمل جينوميكا للتشخيص الوراثي في سوهاج – مصر.
كما صدر له كتاب (الخلية الجذعية) المنشور بدار عالم المعرفة بالكويت 2008 ، ورواية (زيادة) مؤخراً .
كما أنه معد ومقدم لبرنامج عصر العلم الذي يعرض على القناة التلفزيونية ” الحدث اليوم ” .

تابعونا في هذا الحوار لمعرفة خفايا هذا المرض :

* ما المعنى العلمي لمصطلح فقدان الهوية الجنسية وهل يمكن اعتباره حالة مرضية ؟
** بداية التحول الجنسي هو عملية خارجية، يحتاج إليها الأشخاص الذين فقدوا هويتهم الجنسية، فلا يدري الإنسان أهو رجل أم أمراة أم كليهما.
هناك من لا يعتبره مرض، ولكني شخصياً أعتبره مرض – ما دام حاد عن خريطة الجينوم السليمة التي تعطي إنسانا متكاملاً ومنسجماً في الأعضاء والأجزاء كلها سواء الجنسية أو التي لها علاقة بها، والتي رضي عنها الانتخاب الطبيعي واختارها بناء على قدرة تكيفها ليس فقط مع البيئة المحيطة ولكن مع أفراد النوع الذي ينتمي إليه الفرد – أقول أنا أعتبره مرض ومرض جبار وخطير لأنه يهدد النوع برمته بل ويقضي على الاستمرار والبقاء.
وبمعنى آخر وأعمق،هناك في الأصل في مثل هؤلاء الأشخاص عديمي الهوية الجنسية – خلل جيني في مجاميع الجينات التي تبني الأعضاء التناسلية، هذا الخلل ظهر في إما عضو جنسي غير واضح أو واضح وبارز جداً على غير الطبيعة أو مشوه المعالم أو مختلط الملامح، يجمع بين أعضاء ذكرية وأخرى أنثوية، ثم ومقارنة بنفس الجينات في بقية أفراد الأنواع وشكل الأعضاء فيها، فإن هذه الأعضاء لن تتكيف مع البيئة المحيطة بها بأفرادها وثقافتها وعاداتها بل ولن تتكيف مع حاملها نفسه!
فمثلا: من الرجل الذي سيتزوج أنثى لديها أعضاء جنسية غير واضحة المعالم والهوية؟!
ومن ثم هذه المرأة لم ينتخبها الانتخاب الطبيعي لكي تبقى في المستودع الجيني للنوع أو للإنسان ككل في هذه الحالة، بالتالي فلن تتزوج أو بمعنى أدق لن تستطيع غالباً الانجاب حتى بعيداً عن حظيرة الزواج، أي أن جيناتها قد ألقي بها بعيداً عن المستودع الجيني للنوع بواسطة مصفاة الانتخاب الطبيعي الجبارة، ومن ثم فإن هذه الجينات التي بها خلل كبير انتهت إلى الفناء، وهو غايةالطلب للانتخاب الطبيعي، فقد تخلص تماماً من مجموعة جينات مشوهة ولفظها من النوع برمته، الكلام نفسه ينطبق على الرجل الذي يحمل العضو الذكري وغابت خصيتاه فلم تنزلا من موقعهما في داخل الجسد منذ عملية التكون الجنيني المبكر في الرحم، وهكذا دواليك، فهناك تعدد وتنوع كبير في التشوهات والتغيرات في الأعضاء الجنسية.
إذاً ففقدان الهوية الجنسية تعدى أن يكون مرضاً عادياً بل مرضاً كبيراً وخطيراً لأنه يهدد البقاء ويضربه في مقتل.

* ماهي العوامل الجينية والهرمونية التي تسبب خللاً في الهوية الجنسية للإنسان؟
**الهوية الجنسية عملية مركبة ومعقدة، يساهم في انتاجها عوامل كثيرة، هناك عوامل التربية والبيئة المحيطة، وهناك عوامل جينية، والعوامل التربوية تبدأ حتى قبل الحمل، فماذا يأكل كل من الأم والأب وخاصة الأم، هل مثلا ً تأكل طعام ملوثاً أو لحوماً مخلوطة بهرمونات لزيادة وزن الدجاج أو الأبقار، وهل الأم تشرب الكحول وتدخن السجائر وتتعاطى المخدرات، هذه العوامل الخارجية البيئية التربوية المؤثرة من خارج التركيب الجيني.
أجرى بعض العلماء تجربة علي مجموعة فئران حوامل، حقنها بهرمون التستوستيرون (Testosterone) الذكوري.
وجد أن الأبناء الذكور لديهم الأعضاء الذكورية تميل إلى تلك الأنثوية رغم أنه ذكر، ووجد أن الأبناء الإناث لديهم ميول جنسية نحو الإناث .
إذاً هذا عامل خارجي هرموني، إلا أنه دخل رحم الأم إلى الأجنة وعبث في شئ اسمه الأبيجين – وهو مواد كيميائية تنظم عمل الجين وهي تعلوه وتنظم تشغيله أو غلقه أو تقليل المنتج أو زيادته – ومن ثم توجيه جينات بناء الهرمونات الجنسية مثال جينات التيسترون والتي تبني هرمون التيسترون ، هذا الهرمون بات مختلاً انتاجه وكميته سواء بالإكثار أو بالإنقاص، وبالتالي حين يُذهب في الجنين إلى الخلايا الجنسية التي بها جينات اكمال وبناء وابراز الأعضاء الجنسية للذكر فإنها لن تقوم بعملها على أكمل وجه ، لأن هناك عامل خارجي تدخل دون داع إلى المنظومة فأحدث فيها خللاً .
الموضوع يشبه لحن في نوتة تعزفه كل الآلات ثم يفاجئ العازفون بوجود جملة تشذ عن اللحن العام سماعاً وانسجاماً ومع ذلك فهم مضطرون إلى عزفه، فيخرج لحن مشوه ومن ثم قبيح فقد الجمال الناتج من الانسجام والذي يعني في كلمة: الوحدة.
وحدة الفعل الأخير الذي يدل على سلامة المنظومة ككل بسبب سلامة الأجزاء.
وقد يكون السبب التربوي في الأهل وطريقة نظرهم إلى الطفل، هناك من يلبس ابنه الذكر في بعض القرى القديمة الجاهلة ثياب أنثى حتى لا يُحسد ، وإذا استمر هذا وإذا عومل على أنه فتاة فلا شك أن هذا سيحدث قليلاً من الاضطراب في الهوية الجنسية وغالباً سيمتد إلى شكل وهيئة الأعضاء وقد يقوده إلى الشذوذ الجنسي ،ثم يأتي السبب الأهم من وجهة نظري وهو العامل الوراثي، وأقصد الجينات والأبيجينات، والتي تكون بها طفرات أو أي خلل تنظيمي لعملها، ومن ثم سيصيب أعضاء الطفل الجنسية بما جاءها من تعليمات مشوهة ناقصة غير واضحة، فنرى أشكالاً وتنوعات في الأعضاء الجنسية تعكس الخلل الجيني وراءها.
والخلل هنا طفرة في الجين أو في الأبيجين الذي ينظم عمل الجين أسفل منه.
ما يحدد هوية الإنسان الأنثى هو وجود حاملات جينات جنسية تسمي اكس، وتكون هكذا في المرأة ( xx ) كروموسوم أو حامل أتى من أمها وآخر من أبيها ، وهنا يكون الطفل أنثى ، ولو حمل الطفل كروسوم اكس والآخر واي هكذا (Xy) فإنه سيأتي ذكر لأن الكروموسوم واي هو في الذكر فقط وهو يحمل الجينات التي تعطي الأعضاء الجنسية الذكرية.
لكن لو حدث خلل في الجينات الكثيرة جداً التي فوق هذه الكروموسومات فإن هذا سينعكس على شكل الأعضاء التناسلية، إلا أن هناك جينات تشارك في بناء الأعضاء التناسلية لكنها لا تقع علي الكروموسومات الجنسية اكس وواي، ولكنها قليلة.
ولعل مثال الذكر الذي تركيبه (Xy) إلا أنه بلا عضو ذكري يبين لنا الخلل الشديد في الجينات الخاصة ببناء العضو !
والموضوع ذا شقين، فمثلا البناء الهندسي للأعضاء الجنسية سواء الذكر أو الأنثى، يأتي من بدايات التكوين الجنيني، ثم بعد ظهور الأعضاء الجنسية الأساسية والتي تعمل لتكمل بناء نفسها وبناء بقية الأعضاء والاكسسوارات الثانوية الذكورية والأنثوية على حد سواء كالشعر والصوت وقوة العضلات والعظام…. الخ.
وبذلك فإن الجنين يوكل الخصية في اتمام هويته الذكورية الجنسية أو يوكل المبيض في اتمام هويته الجنسية الأنثوية.
فلو حدث خلل في الأساس فلن تظهر الخصية أو المبيض أو بقية الأعضاء الجنسية بصورتها الطبيعية وإذا غاب الأساس أو تعطل أو قصر في عمله وتكوينه تأثرت الأعضاء أو الاكسسوارات الثانوية المكملة لاظهار او لاتمام الهوية الجنسية .
فلو جينات بناء الخصية أو المبيض غير عاملة جيداً أو بها طفرة فإن الخصية إما لا تظهر وإما تظهر ولكن ناقصة التكوين أو تظهر ولكنها عاجرة عن العمل جيداً أو بدرجات ، وبالتالي سينعكس هذا على شكل التكوين أو المنتج النهائي للأعضاء التناسلية وللشعر وللعظم وللعضلات وللحنجرة والصوت وأشياء أخرى، ونفس الكلام في المبيض، ومن ثم هناك عوامل وراثية خطيرة.
وقد يكون السبب خارجي كسموم شديدة أو تعرض دائم للأشعة الشديدة أو سبب متكرر مزمن كغذاء دائم التلوث أو ما شابه ذلك.
ولكن الأهم أنه قد يكون جاء من الأبوين، وهنا يظهر سؤال مهم ، إذا كان الأبوين بهما أو بواحد منهما الخلل فلماذا لم يظهر على حامله ؟ أحيانا مجموعة مختلة من الجينات تورث وتنتقل دون ظهور أثرها ظاهرياً من جيل إلى جيل إلى أن تأتي لحظة ما في جيل ما ويتاح لها أن تظهر، مثل أن تكون مجموعة الجينات المقابلة من الزوج الأخر والتي تقوم بنفس الوظيفة أو بضبطها أو تنظيمها تكون هي الأخرى بها خلل ما، ولعل زواج الأقارب من عوامل المسرعة لاظهار هذه العيوب المدسوسة المخفية.
بالإضافة إلى ما شابه ذلك من عوامل غاية في التعقد والتركب والتنظيم.

* هل هنالك علاج طبي ونفسي لمرض التحول الجندري يعود من خلاله الإنسان إلى طبيعته دون جراحة ؟
** هناك حالات تقبل العلاج الطبي والنفسي وهناك حالات لا تقبل وتحتاج إلى جراحة وهناك حالات لا تشفى بأي طريقة، سيظل صاحبها هكذا.

* متى يعتبر الطب إجراء عمل جراحي ضرورة حتمية للمريض الذي يعاني من اضطراب العبور الجندري ؟
** بشكل عام لابد من بناء كل شئ على أساسه الطبيعي، إذا أردت أن تبني برجاً فله أساس مختلف عن بناء سد أو سكة حديد.
فمثلاً لو جاء أحد يريد أن يحول هويته من ذكر إلى أنثى ، فلابد أن يكون لديه الأساس الجيني الجسدي للأنثى لكي يبني عليه بقية البناء، لابد أن يكون لديه استعداد في البناء الجيني لذلك وليس حالة نفسية فقط والعكس صحيح.

* كيف تنصح الأهل والمجتمع بالتعامل مع الأشخاص الذين يعانون من خلل في الهوية الجنسية؟
** بمنتهى البساطة والراحة وعدم الانزعاج تماماً، فقط يوضع تحت اشراف طبي سليم وليكن رأيه هو الأهم ، فإن كان يرى وهو الذكر أنه يميل إلى الأنوثة ولديه الأساس الطبي لذلك فعلى الفور أنصح بهذا التحول.
فاذا كان هناك علاج فليقم به على الفور دون حرج او انكار فهذه مشيئة الله وقدره.

* الأصعب هو التعامل مع المريض بعد اجراء العملية وتحويل جنسه ، ماهي الطريقة الأمثل لاحتواءه ليكون سوياً في مجتمع يرفضه ويرفض هويته الجديدة ؟
** عليه أن يواجه الجميع دون خجل، فإن لم يستطع عليه بتغيير المكان كله، فان كان معروفاً في مكان ضيق الأفق ضيق الثقافة متزمت عليه بالذهاب إلى مدينة أخرى في نفس البلد والعيش فيها، و أنصح بأن يكون التغيير داخلياً وخارجياً.

* ما هو الرأي الطبي بمقولة المخنث ابن الشيطان ؟
**الشيطان ليس له علينا سلطان !
وعلى المخنث أن يعلم أنه طبيعي، لأن جيناته استطاعت أن تنتخب من الانتخاب الطبيعي لفترة محددة وهي عمره هو.

* هل يمكن لمن أجرى عملية التحول الجنسي أن يعيش حياة طبيعية ويتزوج ويكون أسرة بصورة طبيعية ؟
**هذا يتوقف على عوامل كثيرة يحددها الطبيب المعالج، وبشكل عام ممكن .

* أدرك أن هذا الموضوع لا تحتويه الأسئلة السابقة ويحتاج إلى أبحاث عميقة لتغطيته، أترك لك حرية الحديث ختاماً وأتشكرك على هذه المعلومات الغنية.
**الموضوع كبير جداً ومهم، ولو أتيح لي الوقت لدخلت إليه من زاوية التطور وهو الأصح والأعمق.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!