رسالة إلى تميم / بقلم: أميمة راجح (اليمن )

بريدي الصادر مصاب بوعكة صحية ، فيروس الإنتماء أعياه……

رسالة إلى تميم *

لا أملك حسابا على الفيس بوك يا تميم ،وبريدي الإلكتروني متخم بالهندسة والبرمجة والاتصالات والوسيلة الوحيدة التي أملكها لمخاطبتك هي هذه الرسالة التي ربما لن تصلك البتة لكنني على أية حال سأكتبها ما يدريك لعل قصائدك يوما تتقوس وينحي ظهرها التاريخ المشوه ولا شيء يدفع عنها سوى هذه الرسالة.

منذ فترة وأنا أستمع لقصائدك ،أرسم في مخيلتي خريطة مشاعرك ،أحاول عبثا إدراكك ،فتشت عن صورتك، وولجت لوكيبيديا أقرأ عنك ،حملت صور والديك ،وفحصت كل البيانات عنك ووجدت ضالتي أنت يا تميم عربي!.

والعروبة يا تميم – كما تعلم- ليست عيون واسعة ولا أنفا شامخا كما في وجوهنا البائسة ليست قبيلة وقهوة مرة ومدينة محتلة، وامرأة ملتفة بكحل وحناء وبخور يماني ،العروبة ببساطة وجع يمتد من أحداق الفاتنات حتى اللانهاية ،غصة تسد منافذ الضوء، تتكاثر بمخاض عسير ،تنشق منها كلمات قاتلات ترتص فيما نسميه نحن قصائد شعر كتلك التي تكتبها وتسكبها فوق خواصر حقائقنا الضامرة وتلتف بين جدائل شعرنا المقصوص عنوة.
صدقني ياتميم أنت بالنسبة لي لست إلا شاعرا ، اعي حقا بأنك وسيم ولك صف من المعجبات اللاتي لا أنتمي لهن قطعا فأنا كلما أراك أو أسمع أسمك من صديقتي الواقعة في غرامك لا يتبادر لذهني إلا قولك:
“في القدس لو صافحتَ شيخًا أو لمستَ بناية
ًلَوَجَدْتَ منقوشًا على كَفَّيكَ نَصَّ قصيدَةٍ”
ويلفني سؤال ثقيل ثقيل أي القصائد سوف تنقشها أسوار صنعاء في يدي لو صافحتها؟ لو مررت على جدرانها المنتهكة؟ لو مددت لها معصمي أطلب يدها لتلف حول قلبي فجائعها؟
يا سيدي للقدس ألف شاعر وقلوب كل النساء تصلي، وصنعاء يتيمة زوجة أبيها سرقت أساورها ،وكل الشعراء فيها تغريهم الغانجات في شوارعها فيكتبون لهن ويكتبون ،وتبكي صنعاء وينمو اللوز على وجهها مجعد كأنما كل الإنفجارات قلصت تفتحه.

تميم
لا أخفيك سرا أنني فتشت عن ياسمين التركية ،كنت أود أن أستفسر منها هل تقبل الزواج بعربي؟
وأفزعني استفساري فهل صارت الهوية تهمة ؟ وجريمة ومنقصة؟ وسببا لفراق حبيبين؟
وسقط الواقع على قلبي كما سقط وطنك تماما ………. ففي صنعاء وجدت الهوية لعنة ،وعار نغسله كل يوم بالموت جوعا، بالموت قصفا ،بالموت تفجيرا، بالموت مهانة ،بتمزيق أوردتنا ،بسفك الدم الأبيض من أثداء عذرواتها……….. لكنني يا تميم -رغما عن كل شيء- عربية كأنت وأعمق منك مرتين ،مرة في قاف القدس ومرة في صاد صنعاء متبوعة بتاء التأنيث كما يليق بعربية تؤرقها الخريطة الممزقة أكثر من أحمر الشفاه وتحكي مواجعها في قصة قصيرة أو رسالة شاردة وباكية كهذه.

سيدي الشاعر
قل ولو مرة شعرا لصنعاء ،أَسمع بني مرة ،وبني أمية وبني العباس وكل ذي نسب وقبيلة أنين المدينة الأولى ،قل لهم فيه حكايتها العجيبة ،واذكر معارك بيت بوس، وحدثهم عن توراة المدينة المسروقة علنا ،وألعن فيه من شئت فالشعراء يجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم ،واختم شعرك بقبلة فمدينة كصنعاء يعجز الرجال أيا كانوا إمالة قلبها ،واركع نحوها ركعتين ففي محرابها ستزكى وتصبح شاعرا عربيا كما يجب لا كما يقال وأنت حتما تعي أن الشعراء إن لم يكتبوا لصنعاء والحسن يسكب من وجهها الدم ما كانوا ولا كان شعرهم.

لدي الكثير يا تميم ،لكن هذه الرسالة سيحجزها البغاة على الحدود ،وسيمنعون الحمام من حملها ، وستقوم لأجلها الحروب ،وربما سقطت على بركة دم أو أخرى، وتلطخت بالدخان والغبار لذا لن أكتب باقي الأسرار ،يكفيك فقط أن تقرأ فيها حروف الهجاء وتؤقن أنها بلسان فصيح من امرأة كل مافيها يقول أن حمير أورثها الفصاحة وحرمها السبئية لشيء في نفسه.

 

 

* تميم البرغوثي شاعر فلسطيني.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!