نجيب كيالي. نثر. صورة لكائن قبيح

آفاق حرة

 

 

أيُّها الموتُ نعرفك، ولا نعرفك ما أقساكَ.. ما أنذلَكْ!
تجيءُ مع الوقتِ، وقبلَ الوقت!
تأمر المقبرة، فتحبل بقبورٍ جديدةٍ كلَّ يوم!
كلَّ ساعة
قبورٌ أكثر من سنابل القمح!
قبورٌ من طابقٍ.. من طابقينْ
والموتى اثنينِ.. اثنينْ!
أيُّها الموتُ ما أقساكَ!
ما أنذلَكْ!
*
راحلُ الغدِ يودِّع راحلَ اليوم، وراحلُ اليوم ودَّعَ راحلَ الأمسْ!
لا صوتَ، لا هَمْسْ
منذ أيامٍ ركبتَ حصانَ الزلازلْ
أخذتَ الأطفالَ من أحضان أمهاتهم!
أخذتَ الأزواجَ من حنان زوجاتهم!
فتحتَ تابوتاً من خلفه تابوتْ
حتى البيوتْ
تماديتَ فقبضتَ أرواحها!
حتى المآذنُ لم تحترم قدسيَّتَها!
حتى الكنائسُ دخلتَها كهولاكو.. كجنكيز خانْ!
اعتديتَ على المسيح
أمام عينَيْ أمه!
أيها الموتُ ما أقساكَ
ما أنذلَكْ!
*
لم تسمح للفراشةِ أن تُكْمِلَ عمرَها!
لم تتح للزهرةِ أن توزِّع عطرَها!
تغتال الأغاني فوقَ الشفتين!
تأخذ من يستحقُّ الحياة
وتترك هنا وهناك من يستحقُّ الموت!
ويلاهُ ما أقساكَ.. ما أنذلَكْ!

*
لولاك لجلستُ مع أبي العلاء المعري
مع ابن زيدون وولَّادة
مع جلال الدين الرومي
لولاك لاستمعتُ لأغاني زريابْ
لشربتُ الشاي مع جدي آدم وجدتي حواءْ
لتلقَّيتُ مباشرةً كلامَ الأنبياءْ
أيها الموت ما أقساكَ.. ما أنذلكْ!
*
أحلمُ أن أضعك في محكمة
في قفص
فأنت القاتلُ الأكبر
والمجرمُ الأخطر
تتسلَّح تارةً بكورونا
تارةً بالسرطانْ
تارةً تقف خلف الزعماءِ المجانين، وتجارِ الحروبْ
ترقص في رؤوسهم رقصةً شيطانية
تغريهم بقتل الناسِ والشعوبْ!
تغري الرصاصَ بأن يخترق الصدرْ
وترمي ألفَ نبيّ.. ألفَ بدرْ
ويلاهُ ما أقساكَ.. ما أنذلَكْ!
*
أيُّها الموت سأغفر لك إذا أخبرتَني: هل نحن أجسادٌ أم أطيافْ؟
هل نخرج من السنوات حين نموت أم تخرج منا السنوات؟
هل نقتاتُ أعمارَنا أم أنت بنا تقتات؟
لماذا المجهولُ من حياتنا واسع رهيب كالربع الخالي، ويساوي عشرةَ أضعافِ المعلومْ!
فطورنا همومٌ، وعشاؤنا همومْ!
أخبرني.. أخبرني
لكنك لا تجيب
ما أقساكَ.. ما أنذلَكْ!
*

٢٠٢٣/٢/٢٢