إضاءات حول المجموعة القصصية (13 شهرا من إشراق الشمس) للكاتبة السودانية/ رانيا مامون

بقلم/ عمر القنديل

(13 شهرا من إشراق الشمس) مجموعة قصصية للكاتبة السودانية رانيا مامون تحتوي عشر قصص ذات مواضيع مختلفة لكن جميعها يصب في قالب إنساني.

ما أن تبدأ قراءة القصة الأولى حتى يحيطك ذاك الوهج من الجمال الذي لا تستطيع منه فكاكا.

رانيا مامون كاتبة متمكنة، بأسلوب سردي ماتع استطاعت أن تجذبنا إلى عوالمها السردية الخاصة.

(13 شهرا من إشراق الشمس) قصة حب في إطار إنساني تتماهى معه الحدود التي تحدد الكلام والألوان والأشكال ويصير الإنسان هو المركز الذي تدور حوله الأشياء. ما أن نكملها حتى نعبر إلى عالم الماوراء وتصورات الموت والإنتقال خلال قصة (عبور) التي أبدعت الكاتبة في نقل مشاهدها بحرفية عالية.

مكتنزة بشفافية صادقة قدمت رانيا قصصها في قوالب متعددة؛ فها هو ذا نصها الموسوم ب (حواف) يجسد صراع الصداقة مع الحب وذاك التأرجح بين شذى والحبيب وثمة سؤال يتقافز بين جنبات النص؛ من هي شذى؟
هل هي أنا من أنوات ذاتها المنقسمة؟
يمكن أن تكون الذات الواعية المندسة بين طيات الإدراك. والتي تسكن كل واحد منا. تجلت جدا موهبة الكاتبة ولمعت كنجمة في الأفق وهي مستغرقة في هندسة هذي الحواف بزوايا إبداعية منضبطة بجماليات السرد وروعة الوصف.

ثم اتكئنا على (اسبوع الحب) وهذا البوح الشفيف.

(أنصال في طين الروح) عنوان جاذب جدا لما يستتر خلفه من لقطات غارقة في تراجيديا عميقة وصور منتزعة من قلب المجتمع حيث الفقر والعوز والمرض عكست من خلاله الكاتبة هوان الإنسان وثمنه الزهيد في ظل مؤسسات ذات مقاعد مستغلة في شرب الشاي أكثر من خدمة المواطن المطحون.

من الثيمات التي تصدت لها المؤلفة الواسطة والمحسوبية من خلال نص (أبواب) فنجد البطل الذي تهتكت دواخله بعد أن أنهكته الفواتير وأرهقته الأبواب ومزقت أكمام قميصه يمني النفس بالولوج عبر باب غير تلك المهترئة، لكن جلي أنه لن يدخله حتى يلج الجمل في سم الخياط!

قصص تسمو بقيمة التفاعل مع الآخر وتقديره أيا كانت مرتبته أو تسميته في قواميس المجتمع؛ فما يسمى بالمجنون الذي لعبت دوره (المرأة التي توسدت صرتها) ليست بالضرورة دائما أن يكون خارجا عن حدود الوعي والإدراك، فهو لا يتعدى كونه إنسانا مثلنا تماما فقط أنه اختار حياة مختلفة بمنأى عن الآخرين توافق مزاجه وتلائم طقسه الداخلي.

على مدى ست صفحات اقتادتنا رانيا بصحبة الذبابة على طول الرحلة من مدني إلى الخرطوم دون أن يتبدى على وجوهنا أي ملمح لضيق أو امتعاض. هنا يكمن فن الكتابة وتلك القدرة على السرد والتداعي الحر الذي يجعل الأشياء ليست تماما كما تبدو ويخرج المبدع منها أشياء وأشياء تماما كما المهرج الذي يخرج الأرانب من تحت القبعة.

تفاعل الكاتب مع البيئة المحيطة ونظرته للأشياء واعطائها منطقا وبعدا خاصا والتماهي معها في عوالمها والربط بينها والواقع ما يجعل تلك الصور التي يدرجها واضحة أمامنا وكأننا نشاهد عرضا تلفزيونيا شيقا.

” أمي هل ستأكليننا عندما تجوعين؟”
في تقديري أن هذا المشهد من قصة (أشجان الغرفة الوحيدة) وصل بالمعنى إلى أقصاه؛ معنى المأساة والبؤس الإنساني الذي يهز أشد الناس تماسكا.

ونحن نقف على أعتاب النهايات في قصة (خطى تائهة) نستشعر ملمحا إنسانيا أشد تأثيرا في دائرة الكلاب ذات المركز الإنساني حيث تلك المرأة في وسطهم وهم يمدونها بالماء والغذاء ويسلونها بقصص حبهم وشغفهم ومغامراتهم والناس هناك يغطون في نوم عميق.

أما عني فلا أملك إلا أن أرفع قبعتي إجلالا واحتراما لهذا الإبداع الرصين. شكرا للكاتبة ولقلمها الجميل وننتظر منها الكثير من الإشراقات الأدبية في قادم الأيام.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!